Menu
in

الشعب الليبي هو من يحدد نظام الحكم

كتبت الأستاذة عزة المقهور مقالا بعنوان “لن يكون رئيس ليبيا إلا منتخبا من الشعب” وهو في حقيقته رأي سياسي، وليس تحليلا متماسكا، لا من الناحية الدستورية ولا من الناحية السياسية، ولكن لا شك أنه محل نقاش في الساحة السياسية الليبية.

مقال الأستاذة عزة يستدعي بعض التوضيحات لبيان تناقضه ومجافاته المقتضيات الدستورية الليبية، وكذا النصوص الدولية الحاكمة. الأستاذة عزة طرحت مجموعة من الأسباب دللت بها على صحة رأيها من الناحية الدستورية، وهي مقدمات خاطئة للوصول إلى نتيجة سياسية يختلف حولها الناس:

1) احتجت الأستاذة بالتعديل الدستوري السادس والذي بدأ نصه بـ “تعدل المادة (30) من الإعلان الدستوري بحيث يجرى نصها على النحو الآتي”. وهي نفس الجملة التي بدأ بها التعديل الدستوري السابع، وكما نعلم فإن اللاحق ينسخ السابق، خاصة وأن معظم التعديلات للمادة الـ 30 جاءت وهي تكرر كل ما ورد في المادة وتحذف أو تضيف التعديلات الجديدة.

كما أن الأستاذة عزة لم تذكر أمرين مهمين: الأول أن التعديل الدستوري السادس جاء معلقا على شرط الانتهاء من مشروع الدستور والاستفتاء عليه؛ فإن كان قد تم اعتماده فتجرى الانتخابات على أساسه، وإلا فتجرى الانتخابات استنادا على ما تنتجه لجنة فبراير، والأمر الثاني المهم هو أن الانتهاء من مشروع الدستور ومن ثم الاستفتاء عليه يُعد عائقا أمام تبني أي مسار آخر غير مشروع الدستور، وهذه السابقة الدستورية مهمة جدا ومشابهة للوضع الذي نحن فيه الآن.

2) قالت الأستاذة عزة إن لجنة فبراير لجنة دستورية، وهذا لم يقل به أحد من قبل، فلجنة فبراير هي لجنة فنية أشير إلى مخرجاتها لمجرد التسمية ليس إلا. والطامة الكبرى أنها ذكرت بأن المؤتمر الوطني العام عهد إليها بمهمة تعديل دستوري، وأن مهمة المؤتمر محصورة في اعتماده ووضعه موضع التنفيذ. بينما لجنة فبراير ما هي إلا لجنة فنية عهد إليها تقديم مقترح فقط لا غير، ولذلك قبل المؤتمر الوطني منه وترك، ومما تركه المؤتمر الانتخابات الرئاسية وتركها إلى الجسم التشريعي المنتخب الذي جاء بعد المؤتمر الوطني العام. والأغرب أن هذه النقطة لم تكن ضرورية لدعم النظرية الخاطئة التي تدافع عنها في هذا النص.

3) استندت الأستاذة على تشريعات صدرت من مجلس النواب، وهو جسم منعدم وفقا لأحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا. فكل ما صدر عن مجلس النواب، وكذا المؤتمر الوطني العام في قناعة جديدة لدي، في الفترة ما بين 4 أغسطس 2014 وحتى 17 ديسمبر 2015 هو والعدم سواء، وكذلك كل ما صدر بعد ذلك التاريخ من مجلس النواب إذا لم يصدر وفقا للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وهو ما ينطبق على التعديل الثامن والقرار رقم 5.

4) ولكل ما ورد أعلاه فإن القول بأن “أمر انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب محسوم دستوريا” هو موقف سياسي يحترم أصحابه، ولكنه لا يمت للدستور بصلة، وأما القول بأن ملتقى الحوار السياسي “لا يملك تعديله أو إعادة النظر فيه” فهو قول صحيح طالما لم يصدر بمخرجاته تعديل للإعلان الدستوري به، أو قرار ملزم من مجلس الأمن.

إن ما يجري العمل عليه حاليا يسعى لأن يكون تعديلا دستوريا معتمدا بطريقة صحيحة أو بقرار دولي ملزم- خلافا للتعديل الثامن والقرار رقم 5- وبالتالي سيتحول إلى مقتضيات دستورية. هذا إذا لم تكن الأستاذة عزة تعتبر أن لآرائها ومواقفها الشخصية – المحترمة بكل تأكيد- مكانة فوق- دستورية.

لن يكون لدي شخصيا إشكال مع ذلك شريطة أن نحسم الجدل الدائر بين الفقهاء الدستوريين منذ بضعة قرون حول ما إذا كانت هناك أية مقتضيات تعلو على الدستور أصلا.

5) وأما قول الأستاذة المقهور بأن مخرجات مؤتمر برلين في البند 26 جاء فيها: “نحث جميع الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية الشاملة التي تتولى ليبيا قيادتها وتمسك بزمامها تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمشاركة فيها بشكل بنّاء وبما يمّهد الطريق إلى إنهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وعادلة وشاملة ونزيهة تنظمها مفوضية وطنية عليا للانتخابات مستقلة وفعالة” فهو حجة عليها ولم تنتبه، إلى هذا النص “بما يمهد الطريق إلى إنهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات برلمانية ورئاسية..”.

فلعمرك لا تنتهي المراحل الانتقالية إلا بدستور دائم، وبالتالي فإن المقصود هنا أن هذه الانتخابات تجرى على أساس الدستور الدائم، وليس على قاعدة تحدد نظام الحكم نيابة عن الشعب الليبي، والشعب لم يقل كلمته في شكل هذا النظام. أي أن يفرض على الشعب نظام حكم رئاسي، وهو لم يختره بعد؛ هل يريده نظام حكم رئاسي؟ أو شبه رئاسي مختلط؟ أو برلمانيا؟.

6) أما ما ذكرته الأستاذة عزة بشأن خارطة الطريق فإنه طالما أنها لم تضمن دستوريا في الإعلان الدستوري، ولم يصدر بها قرار ملزم من مجلس الأمن فإن الحديث والجدل فيها من النافلة التي لا تستحق التعليق.

أخيرا، أخطأت الأستاذة عزة خطأ كبيرا عندما نسيت، في سعيها الدؤوب لإعطاء آرائها صبغة “قانونوية”، الهدف من كل ما نحن بصدده: وهو مسار توافقي يرضى به الجميع ويقبل نتائجه، وليس القراءة الوثنية لنصوص متنافرة وإن ترتب عليها إبقاء ليبيا تراوح مكانها دون أي انتخابات تشريعية أو رئاسية ولا هم يحزنون.

أُترك رد

كُتب بواسطة Juma Mohammed

Exit mobile version