Menu
in

شركات صرافة فوق أرض قاحلة من العملة

يُروّج مصرف ليبيا المركزي، في حملات إعلامية متكررة، لفكرة أن فتح شركات صرافة جديدة في شهر أغسطس سيكون المفتاح لمعالجة الوضع المتردي للمؤسسة المصرفية وأزمة العملة الأجنبية، ووضع حد للمضاربة، واستعادة السيطرة على السوق.

غير أن هذا الطرح يتجاهل عمق الأزمة، ويقفز فوق جوهر المشكلة التي تعانيها المنظومة النقدية والمصرفية في البلاد.

المشكلة في ليبيا ليست في قنوات توزيع الدولار، بل في غياب الثقة في المؤسسة المصرفية نفسها، وهو ما يُفقدها أهم صفة تحتاجها أي مؤسسة مالية وهي الصفة الائتمانية، هذا الانهيار في الثقة دفع الكثير من المواطنين إلى سحب مدخراتهم، وهو ما يعكس فقدان المصارف لوظيفتها الأساسية كمخزن للأمان المالي.

المفارقة أن المحافظ الجديد يتجاهل صراحة ما سبق أن حذر منه المحافظ السابق الصديق الكبير، الذي أوضح أن أزمة الاقتصاد الليبي لا تتعلق بالطلب على الدولار، بل بأمرين جوهريين:

الأول: الاعتماد الأحادي على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي، مما يجعل الاقتصاد عرضة لأي اضطراب، وهذا ما نعيشه اليوم بوضوح مع تفاقم سرقات النفط وأزمة شركة “أركنو” التي تستنزف ثروات الليبيين علنا، وبغطاء رسمي من حكومة الدبيبة.

الثاني: الانقسام السياسي وتضخم الإنفاق العام، حيث يُصرف المال دون ضوابط، وتُدار موارد الدولة خارج أي استراتيجية اقتصادية مستدامة.

الخطير في الطرح الجديد من المصرف المركزي، أنه يُحمّل شركات الصرافة دورا وظيفيا لم تُنشأ لأجله؛ فالخبراء الاقتصاديون مجمعون على أن جوهر الأزمة هو شح العملة الأجنبية، لا آلية توزيعها، والدليل أن المصارف نفسها باتت غير قادرة على تلبية الطلب على الدولار واليورو، سواء عبر الاعتمادات أو بطاقات الأغراض الشخصية، التي باتت تستغرق أكثر من عشرين يوما لمعالجة الطلب الواحد.

الأدهى من ذلك أن من حصلوا على تراخيص شركات الصرافة هم أنفسهم كبار المضاربين المتحكمين في السوق السوداء لسنوات، ومع دخولهم السوق “بغطاء قانوني”، فإن الوضع مرشّح لمزيد من التعقيد، فحين يعجز المصرف المركزي عن توفير النقد الأجنبي وهذا مرجح جدا في ظل ما تعيشه البلاد من تدهور اقتصادي وانتشار الفساد والانقسام السياسي ، ستُباع العملة بالسعر الموازي، لكن هذه المرة بشكل “مشرعن”، ما يعني أن المضاربة لن تُكافَح، بل ستُدار بترخيص رسمي.

في ظل كل هذا، يُخشى أن يتحول مشروع شركات الصرافة من أداة لضبط السوق إلى أداة لشرعنة فوضاه، ومن وسيلة للإنقاذ إلى وسيلة للهروب من فشل السياسة النقدية.

إن معالجة أزمة العملة لا يمكن أن تكون إلا ضمن خطة اقتصادية تنطلق بعد إنهاء الانقسام السياسي، تعالج الخلل الهيكلي في الاقتصاد، وتضع حداً للتسيب المالي، وتُعيد بناء الثقة بالمؤسسات، وما دون ذلك، مجرد شعارات تتكرر عند كل مفترق أزمة، ولا تنتج إلا مزيداً من التدهور.

كُتب بواسطة سلسبيل الرايد

Exit mobile version