لقد بات واضحا أنه في كل محطة تتجه فيها ليبيا للاستقرار السياسي يتحرك حفتر وداعموه؛ لتقويض الأوضاع بالرغم من الفشل والهزائم المتكررة التي مني بها، بدءًا من انقلابه سنة 2014، وما ترتب عنه من صراعات مسلحة انتهت باتفاق الصخيرات وعودة المسار السياسي.
ثم تكرر ذلك بمغامرته في أبريل 2019 ومحاولة اجتياح العاصمة بالقوة وفرض مشروعه الانقلابي في الوقت الذي كان فيه الجميع وبرعاية المجتمع الدولي يستعدون للقاء غدامس؛ لتطوير العملية السياسية وتوحيد السلطات وإنهاء الأزمة؛ مغامرة كم أزهقت في سبيلها من أرواح وكم شردت على إثرها من عائلات وكم سببت من دمار وخراب وهدر للطاقات والموارد وشروخ اجتماعية عميقة، ثم انتهت هذه المغامرة صفرا من حيث بدأت مخلفةً ما سبق ذكره، مضافا إليه انتهاك سيادة ليبيا من قبل مرتزقة الفاغنر والعدل والمساواة الذين لا يملك حتى من أتى بهم إخراجهم.
فبم الاحتفال اليوم؟! إنه مجرد سلوك تعويضي مفضوح لن يحوّل الهزيمة والفشل إلى نصر؛ بل إنه بداية جديدة للتمرد وتقويض العملية السياسية ومنع الحكومة من أداء مهامها وحشد للسلاح واستعراضات خارج إطار الشرعية المعترف بها محليا ودوليا من قبل مليشيا هي مثل باقي المليشيات، لكنها واحدة يقودها مغامر وطامح للسلطة، في الوقت الذي يتطلع فيه الليبيون للانتخابات ويستعدون لما تتطلبه من اشتراطات تتعلق بالدستور أو القاعدة الدستورية، وصلاحيات الرئيس القادم، وهل يكون الانتخاب مباشرا أو غير مباشر، وغيرها من القضايا الهامة التي من شأنها أن تنقل ليبيا من الصراع إلى الحوار مهما كان الاختلاف.
ولذلك يتوجب على المجلس الرئاسي أن يمارس مهامه كقائد أعلى للجيش، ويتحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية أمام الشعب الليبي، وأن يعيد النظر في ترتيب وتأطير القوات المسلحة ويخرج عن ممارسة سياسة الهروب ودس الرؤوس في الرمال، ويتوجب هنا الإشادة بموقف السيد النائب اللافي الذي اتخذه منفردا.
كما أن المجتمع الدولي مطالب بالتخلي عن سياسة الكيل بكيالين، وباتخاذ موقف واضح وعملي من المعرقل الحقيقي للعملية السياسية والانتخابات، وعلى بعض الدول أن تتوقف عن ممارسة الخداع الاستراتيجي المكشوف، عليهم أن يدركوا أن الشعب الليبي لم يعد يثق في كثير من مواقفهم.
وعلى كل القوى الوطنية شرقا وغربا وجنوبا أن تتجاوز الخلافات والأخطاء، وتتوحد في مواجهة أي جهة تعبث بالمشهد السياسي وتسعى لإعادتنا إلى مربع الحرب والصراع، وتشوش على المضي نحو الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر، فقد حصحص الحق، وبات العدو الحقيقي لليبيين الذي ورطهم في هذه الصراعات واضحا للجميع.