Menu
in

خلافات داخلية عميقة بين تيارين في العدالة والبناء تنبئ بمستقبل جديد

يعتبر الحوار الذي شهدته العملية السياسية بعد توسع تداعيات حرب فجر ليبيا في 2014 ، بدايةَ الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين الليبية وحزب العدالة والبناء، إذ اختار الحزب الحوار سبيلا وحيد لإنهاء حالة الانقسام والصراع السياسي، بينما كانت الجماعة مرتبكة ومضطربة تعصف بها حالة التيه الثوري وغياب المرجعية الواضحة والقيادة الحازمة الحاسمة.

أصرّ حزب العدالة والبناء على خيار الحوار وبنى عليه استراتيجيته وخطابه السياسيين، ولم يكن هذا الخيار بالأمر السهل أو المريح، فقد أدى إلى تصدعات كبيرة في جسم الحزب، وجعلته مرمىً وغرضاً لسهام قوى استدامة الحالة الثورية المشحون بالخطاب الديني غير الواعي، وساهم في تلافي هذه الأضرار والعبور بالحزب في خضم العملية السياسية قيادتُه الواعية التي استطاعت استثمار خياراتها جيدا في العملية السياسية المعقدة مع مراعاة المصلحة الوطنية والالتزام بخيار الحوار.

وبإعلان رئيس الحزب عدم ترشحه أو محاولته التمديد لنفسه حفاظاً على مبدأ الديمقراطية التي تعتبر أهم مقاصد الأحزاب، يبدو أن الجماعة تحاول السيطرة من جديد على الحزب من خلال تحشيد أعضائها داخل الحزب، وهذا ما يعني غالباً الخروج بالحزب عن مساره وفقدان أحد ركائز الاعتدال في العملية السياسية.

ومع قرب انعقاد المؤتمر العام الثاني لحزب العدالة والبناء انكشف الخلاف بين الحزب وجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن دعت الأخيرة أعضاءها المنتسبين للحزب إلى تجديد عضويتهم في الحزب.

العدالة والبناء يرفض التدخل

في أول رد رسمي من الحزب رفض رئيس دائرة الاتصال والإعلام بحزب العدالة والبناء عبد السلام اجويد، ما وصفها بتدخل جماعة الإخوان المسلمين في الشؤون الداخلية للحزب.

وأوضح اجويد، في بيان له، أن تدخل الجماعة في توجيه أعضائها المنتسبين لحزب العدالة والبناء يعرّض مبدأ استقلالية الحزب للخطر، معلّلا ذلك بأن فكرة التأسيس مبنية على الشراكة الفردية بين مختلف أبناء الوطن، والنظام الأساسي للحزب يؤكد ذلك.

ووصف اجويد هذه التصرفات بـ “غير المسؤولة”، مضيفًا أنها ستعرّض الحزب للانقسام بوصفها تظهر رغبة الجماعة الواضحة للهيمنة على قرار الحزب، بعدما نجح الحزب بقيادة رئيسه محمد صوان في كبح جماح هذه الرغبة لدى القيادات التقليدية للإخوان تجاه الحزب وسياساته نحو الانفتاح والمرونة والتخفيف من الأيدلوجيا، والنجاحات السياسية الكبيرة التي حققها الحزب.

وأعرب رئيس دائرة الإعلام عن استغرابه من تبرير البعض لما جاء في بيان شورى الجماعة بحجة أنه دعوة للتمسك باللوائح وحث للأعضاء على تجديد العضوية والتداول السلمي داخل الحزب، موضحا أن هذا لا ينطلي على أعضاء الحزب ممن يعايشون ما يجري داخل الحزب من تجاذبات وخارجه من أوضاع سياسية غاية في التعقيد، فالبيان يُقرأ في توقيته ودلالاته ومن سعى لإصداره، وما صدر عن اجتماع الهيئة العليا للحزب بعده.

توجيه لإرادة ما

بينما اعتبر العضو السابق بالمجلس الوطني الانتقالي والقيادي السابق بالحزب عبد الرزاق العرادي، أن البيان الداخلي لجماعة الإخوان الذي دعا إلى الالتزام باللوائح وإجراء انتخابات الحزب في حينها، دون أي اعتبار للتوقيت السياسي والوضع المأزوم الذي تمر به البلاد، مع حث أعضاء الجماعة المنتمين للحزب على تجديد عضويتهم ـ تدخلًا في شؤون الحزب، وانتكاسًا عن قرار المؤتمر العام للجماعة في 2009، ويُقرأ على أنه محاولة لتوجيه الأعضاء إلى ممارسة إرادة ما، في الجماعة، وليست إرادة الأفراد.

وأضاف العرادي، في مقال له، أن حزب العدالة والبناء منذ تأسيسه في مارس 2012 قد دأبت قيادته الحالية عبر تصريحاتها وممارساتها على نفي الرواية التي ارتبطت بالتأسيس، وهي أن حزب العدالة والبناء هو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وأنها أكدت مرارا وتكرارا أن الحزب لا علاقة له بالجماعة من كل النواحي التنظيمية والإدارية والمالية، وأن قرارات الحزب ومواقفه وسياساته مستقلة بشكل تام عن الجماعة، ولم تكن هذه الحَدِّية في الفصل مقبولة عند بعض قيادات الجماعة، وفق تعبيره.

وقال العرادي إن الرافضين للاتفاق السياسي انقسموا داخل الحزب إلى فئتين؛ قدم بعضهم استقالته من الحزب، وقرر البعض الآخر البقاء في الحزب إلى حين التعبير عن هذا الرفض من خلال الاستحقاق الانتخابي القادم داخل الحزب.

ويرى العرادي أن الطرف الرافض للاتفاق السياسي يحنّ إلى نوع من الارتباط بجماعة الإخوان ومحيطها، وأن التيار الداعم لمسار الاتفاق السياسي، عاكف على تقديم مقترحات لتطوير الحزب من خلال جعله حزبًا سياسيًّا غير مشوب بتأثيرات الأيدولوجيا على توجهه السياسي، ومنفصل من خلال نظام البطاقة الواحدة عن المؤسسات الشمولية التي تمارس الدعوة والسياسة والعمل الخيري وغيرها من الأعمال.

ليست بريئة

بيان جماعة الإخوان صدر قبل لقاء الهيئة العليا للحزب بيومين، وتزامن مع الملابسات حول عقد المؤتمر العام، وهو ما يَشِي بأن دعوة مجلس شورى الإخوان إلى التمسك باللوائح والتداول ليست بريئة، كذلك دعوته لأعضائه في الحزب إلى المسارعة بتجديد العضوية ليست بريئة أيضا؛ لأنه يشترط تجديد العضوية لحضور المؤتمر العام فيصبح الغرض هو حشد المؤيدين.

مصادر من داخل الجماعة أكدت للرائد، أن من صاغ بيان الشورى وبادر به هو أحد الراغبين في الترشح لقيادة الحزب، ودافع عنه في لقاء الهيئة العليا لاحقا.

خارج اختصاصها

رأى المحلل السياسي محمود سويسي، في بيان جماعة الإخوان بشأن تجديد عضوية الأعضاء بحزب العدالة والبناء، تناولًا لأمر خارج دائرة اختصاصها، ومخالفةً لميثاق تأسيس الحزب سنة 2011.

وأكد سويسي، في تصريح للرائد، أن هذا البيان يعدّ انتكاسة عن ميثاق تأسيس الحزب، حاثًّا العدالة والبناء على الرد على تدخلات جماعة الإخوان في شؤون الحزب.

وبيّن سويسي أن الخلاف بين الحزب والمجموعة التقليدية التي تسيطر على الجماعة ليس وليد اللحظة، فقد ظهر جليًّا عند الولوج في الحوار السياسي والتوقيع بالأحرف الأولى، إذ استقال عدد من الأعضاء وابتعد آخرون في انتظار المؤتمر العام بغية تغيير القيادة الحالية التي وقفت حاجزًا أمام تصلب وتشدد القيادات التقليدية للجماعة.

ويبقى السؤال، هل يحافظ حزب العدالة والبناء على تماسكه ووحدته، أم أن اختلاف الرؤى يُنبئ بولادة جسم جديد؟

أُترك رد

كُتب بواسطة علي عبدالله

Exit mobile version