Menu
in

مقابلة خاصة مع المتحدث باسم الجيش الليبي العميد طيار “محمد قنونو”

في الذكرى الثانية للعدوان حاورت شبكة الرائد المتحدث باسم الجيش الليبي العميد طيار “محمد قنونو”، واستذكرت معه أبرز لحظات العداون، وصمود قوات الجيش أمام مليشيات حفتر ومرتزقته المدعومين من دول عربية وأجنبية، وكيف تعاملوا مع هذه الهجمة البربرية في وقت كان الليبيون ينتظرون المؤتمر الوطني الجامع في غدامس… فإلى نص الحوار:

ماذا حدث في اللحظات الأولى للعدوان وهل كان الهجوم متوقعاً؟

بدأت تحركات حفتر نحو الجنوب قبل أشهر من العدوان، وكانت مرصودة لنا بالكامل، ثم زحفه شمالا باتجاه غريان، لكن التطمينات التي كانت تصل بأن المؤتمر الوطني الجامع “غدامس” على الأبواب، وأن هذه التحركات قد لا تتعدى الاستعراض أو محاولة الضغط؛ للخروج ببعض المكاسب من المؤتمر، وبالعودة إلى تلك الأيام والأحداث، فالمرجح أن حفتر لم يكن قد حسم أمره للهجوم، وقد كان ينتظر ضوءا أخضر غربيا، تحصل عليه من سيناتور أمريكي بارز يدعى “بولتون” في جملته الشهيرة “افعلها بسرعة”!

وفي جميع الأحول نحن كعسكريين نتحرك وفق أوامر، وطالما لم يصدر الأمر بالتعامل من القيادات العليا فليس بإمكاننا فعل شيء، وقد حصل ما حصل.

قيل: إن اختيار “بركان الغضب” كمسمى للعملية التي أطاحت بعدوان حفتر، كان من ضمن أسماء عدة، ما هي الأسماء الأخرى، ولماذا اخترتم هذا الاسم على وجه التحديد؟

عندما كلفت بمهمة الناطق تواصلت مع المركز الإعلامي للعملية الذي كُلّف في نفس التوقيت تقريبا، وجلسنا لاختيار اسم، فطرحنا عدة أسماء من بينها “البنيان المرصوص 2” وقد استبعدت الاسم؛ لأن تلك عملية انقضت، وتختلف في معطياتها وأهدافها، ثم طرحنا أسماء عديدة أذكر منها “البركان”، و”تبديد الوهم”، و”أسوار طرابلس”، وأحلناها للقائد الأعلى، الذي اختار الاسم الأول بعد تعديله فكانت “بركان الغضب” والسيد السراج هو من اختار هذا الاسم.

ميليشيات العدوان استعانت بعصابات الفاغنر ومرتزقة أفريقية في هجومها على العاصمة، باعتقادك ما الذي دفعها لذلك؟

المرتزقة كانوا موجودين من اليوم الأول، حتى الفاغنر كانت موجودة وقد أسقطنا لها طائرة استطلاع مسيرة في وقت مبكر فوق سرت (أعتقد في مايو).

ما حصل في شهر سبتمبر بعد انسداد الأفق تماما أمام الميليشيات المعتدية، وبعد أن منيت بخسائر، وبسط الدولة سيطرتها على غرفة عملياتهم الرئيسية في غريان، وتهاوي طائراتهم، تفطنوا متأخرين إلى أن عمليتهم محكوم عليها بالفشل، فشرعت الدول الداعمة في الدفع بالمزيد من مرتزقة الفاغنر إلى الصفوف الأمامية، خاصة في ترهونة، وتزويدها بالطيران المسير وبتجهيزات حديثة، متخطين كل الحدود قانونية كانت أو دبلوماسية أو أخلاقية، لا ننكر أننا مررنا بظروف صعبة، لكن كما يقال: “الأرض كانت تقاتل مع أهلها”.

هل كانت المعركة متكافئة؟

المعارك من هذا النمط لا تقاس بالعتاد والأعداد والتجهيزات، وإلا فما إمكانيات أجدادنا المجاهدين حين قاوموا المستعمر الإيطالي قبل مائة عام.

لقد كانت الصورة أمامنا واضحة، عدونا أقوى تسليحا، وأكثر عتادا، وقد تواطأت معه قوى الشر من العرب والغرب، لكننا كنا نمتلك ما لا يمتلكون، إيماننا بعدالة قضيتنا، وأن ليس لنا خيار إلا أن ننتصر أو ننتصر.

سلاح الجو هو الآخر قدّم شهداء في المعركة، كيف استقبلت نبأ استشهادهم، وماذا تقول لذويهم اليوم في الذكرى الثانية للعدوان؟

كعسكري محترف أعلم أنني أدخل المعركة وكفني على كفي، وكذلك كل من يقاتل لأجل قضية كبرى، كما كان أبطال البركان والبنيان قبلهم، عندما يترجل فارس منهم نحتسبه عند الله شهيدا، وقد نغبطه، لقد خلف هؤلاء فخرا لنا ولعوائلهم وأبنائهم وأحفادهم، وما عند الله خير وأبقى.

شهدت في الأيام الأخيرة تكريم أسرهم، وهو أقل واجب يقدم لهم، وقد تولته جمعية أهلية، وكنا نتمنى أن تتولى الدولة الليبية هذه المهمة البسيطة، وأن تتولى شؤون عوائلهم على الدوام، كأن تقدم لهم ما يكفل لهم معيشة كريمة وتعليما وصحة مجانيين على سبيل المثال، فلولا هؤلاء الأبطال من كان يدري كيف سيكون شكل البلاد؟

هذا يقودنا للسؤال عن محاولات ميليشيات حفتر المتكررة تحييد الكلية الجوية، ومدارج إقلاع طائراتكم عن المعركة وإطباق حصار على الكلية، كيف تعاملتم مع تلك المحاولات؟

المعركة مرت بعدة منعطفات حادة، وقد مررنا بفترات زهو وانتصارات، وواجهنا فترات عصيبة، وقد سخرت دول محور الشر طائرات مسيرة صينية، تناوب فوق الكلية الجوية على مدى 24 ساعة، واستهدفت المطار المدني المجاور، واستهدفت كل شيء يتحرك، طبعا لم نعدم الوسيلة للتعامل مع هكذا ظرف، فقد كانت لدينا حساباتنا، وكان لدينا خطط للأوقات الحرجة، لكن والحمد لله لم نصل إليها، ولعل المتابع يذكر كم أسقطنا من هذه الطائرات ومرّغنا أنفها في التراب بأبسط الإمكانيات.

زرت قوات الجيش والقوات المساندة في جميع محاور القتال، بينها محور صلاح الدين الذي رابطت فيه قواتنا وصمدت أمام “عصابات الفاغنر”، كيف رأيت عزيمة المقاتلين في جميع محاور القتال، وفي محور صلاح الدين تحديداً؟

مهمتي التي كلفت بها في المعركة كانت مهمة تعبوية، بالإضافة إلى وظيفتي في سلاح الجو، فكنت أنفذ طلعاتي القتالية، ثم أستقل سيارتي وأزور المحاور، فالتخاطب المباشر مهم جدا لرفع المعنويات للمقاتلين، لقد كان الرجال يحتاجون إلى شد أزرهم، وكثيرا ما رأيتهم أكثر مني عزما، وكانوا يشدون من أزري ويرفعون معنوياتي.

في محور صلاح الدين عندما دفعت الفاغنر الروسية بثقلها في هذا المحور، بما تملكه من تقنيات واتصالات، كنا نخشى على هذا المحور أن يتخلخل تماسكه فيتمكن العدو من إحداث ثغرة يصعب سدها، وندخل في منعطف جديد، كنت أزور هذا المحور فتتبدد المخاوف حين أرى العزيمة في عيون الرجال.

هلا ذكرت لنا أصعب لحظات المعركة؟

لن أقول: إن المعركة كانت سهلة، لكن بحكم عملي، فالحرب لم تكن في يوم من الأيام هدفا، ولا حلا، وكل حرب صعبة، ولأن هذه المعركة مرت بمنعطفات كثيرة وعديدة على مدى سنة ونصف تقريبا، فإن الخشية عادة لا تكون في محاور القتال، فالأمر هناك واضح، الأبيض أبيض.. والأسود أسود، لكن أن يستهدف مستشفى وتقتل الأطقم الطبية فيه، أو يستهدف منزل ويسحق الأطفال تحت الأنقاض، أو يقصف مركز إيواء مهاجرين أبرياء، أو أي موقع مدني، أو يتم التمثيل بالجثث، إنها المشاهد الأشد انحطاطا، يساورنا حيالها شعور من الألم والغضب والاشمئزاز، خاصة حين نتخيل مشاعر الرعب في عيون أسر الشهداء، فيزيدنا ذلك أسى، لقد كانت المشاهد المؤلمة ترسخ في أذهاننا على الدوام، وتلازمنا وإن كابرنا عليها.

ختاماً، كلمة توجهها للشهداء وأسرهم، والجرحى، والحرائر اللائي أعددن المؤن للمقاتلين طيلة الأشهر الأربعة عشر؟

كلمتي ستكون عنهم لا لهم، سأوجهها إلى الحكومة الليبية اليوم وغدا ومادمت حيا، فهؤلاء هم من حفظ لليبيا مدنيتها، وصنعوا لنا بدمائهم وأشلائهم ودموعهن جسرا للعبور بالدولة من عصر الإقطاع وحكم الفرد إلى نظام أقرب للديمقراطية، دعوتي أن لا يضيعوا سكة القطار، وأن يخطوا بنا نحو مأسسة الدولة؛ لحفظ كيانها مهما تكالبت عليها الخطوب، لقد دفعنا فاتورة باهضة، ومن العار أن لا نجني ثمرة كل ذلك.

سيأتي اليوم الذي نخلد فيها شهداءنا، ونكرم أبناءهم بما يستحقون، فلا تستكثروا عليهم اليوم نصبا تذكاريا في كل مدينة وقرية، أما هم فعند ربهم لاخوف عليهم ولا هم يحزنون..

أُترك رد

كُتب بواسطة Journalist

Exit mobile version