لا يخفى على أحد تدخل عدد من الدول الخارجية في الأزمة الليبية ومحاولاتها لخلق حروب وإطالة أمدها وقتا طويلا حتى لا يعم الاستقرار، ولا تبنى الدولة المدنية، بل يعملون وفق عملائهم الداخليين على إرجاع البلاد إلى حكم العسكر والدكتاتورية.
في ظل هذه التدخلات التي على رأسها مصر جارة ليبيا، والإمارات التي لا تربطها بليبيا أي صلة، وفرنسا وروسيا والأردن والسودان، نرى المجلس الرئاسي يكتفي ببيانات إدانة وشجب ورفض، وأحيانا صمت دون ردة فعل فلماذا؟
تدخل مباشر
عدة مرات أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رغبته الشديدة، التي يخفي وراءها الكثير من النوايا بالتدخل المباشر في الأزمة الليبية، ناهيك عن الأسلحة والذخائر والجنود والضباط والطائرات المسيرة وغيرها التي قدمها لخليفة حفتر منذ إعلانه ما يسمى بعملية “الكرامة” في سنة 2014 إلى حين شنّ الأخير حربه على العاصمة، التي انتهت بدحره من كامل المنطقة الغربية على يد الجيش الليبي.
تصريحات السيسي تجاوزت كل الحدود حيث قال، إن مدينتي سرت والجفرة تعتبران خطا أحمر له، وكأنهما واقعتان داخل مصر، وأبدى استعداده لتسليح القبائل الليبية ليطلب آخرا من البرلمان المصري تفويضه لإرسال الجيش المصري إلى ليبيا، معللا ذلك بأن الوضع في ليبيا يهدد أمن مصر القومي.
في ظل هذه الهرطقات الإعلامية نرى المجلس الرئاسي صامت لا ينطق حرفا ولا يرد على هذه التصريحات مع أنها تدخل مباشر وسافر في السيادة الليبية على عكس مجلس النواب، الذي طالبه بالاستعداد التام للرد على هذا التهديد سياسيا وعمليا، وأخذه على محمل الجد، ودراسة كل الخيارات المتاحة للرد المناسب.
مرتزقة ومنظومات
في حرب حفتر على العاصمة وفرت روسيا مرتزقة “الفاغنر” والسوريين ومنظومات دفاع جوية روسية، وكل ما يمكن أن يخطر على البال فقط من أجل دخول طرابلس وكسرها.
انتشرت صور لمرتزقة “الفاغنر”، ووجد الجيش بعد تحرير طرابلس وضواحيها ألغاما مزروعة، وهو ما أكدته القيادة العامة الأمريكية في أفريقيا “الأفريكوم” أنهم من قاموا بتفخيخ وتلغيم جنوب طرابلس إلى سرت، ولا ننسى بالطبع جثة المرتزق الروسي التي عثرت عليها قوات الجيش الليبي في 22 مايو الماضي في منطقة الخلة، وهذا دليل واضح وقاطع على التدخل المباشر في ليبيا ودعم روسيا طرفا غير شرعي في ليبيا وخلق فوضى.
الرئاسي لم يستغل هذه الجثة ولم يقدم الأدلة والصور والمقتنيات التي وجدت معها إلى العالم، وخاصة الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وكل الجهات المختصة في هذا السياق، بل نجد منه تراخيا واكتفاء ببيانات لا ثمرة لها.
تدمير منازل
دولة الإمارات أيضا هي من أول الدول التي تدخلت بشكل واضح ومباشر وصريح في تأزيم الصراع الليبي، فهي من أقفلت النفط الليبي وجعلت المواطن يعاني، وسببت خسائر مالية فادحة في الاقتصاد الليبي.
ووفرت لحفتر كل السبل التي يحتاجها لفرض منهجه فهي قدمت طائرات مسيرة سبب تدمير منازل وبيوت مواطنين، وخلفت هذه الطائرات قتلى وجرحى، ووثقت الجهات المختصة الأضرار؛ لتقديمها للعدالة.
تقارير الأمم المتحدة أكدت في وقت سابق أن طائرات إماراتية مسيرة داعمة لحفتر قصفت مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين في تاجوراء، وفرق الخبراء اطلعوا على مواقع القصف، وأكدوا ذلك من بقايا الصواريخ.
الرئاسي لديه هذه الورقة الرابحة والتي تجعله يقدم أدلة إدانة ما ينتج عنها تجميد أو قطع علاقات أو محاسبتها دوليا وطلب تعويضات.
ونستذكر من هذه الدول الداعمة للعدوان فرنسا التي دعمت حفتر بصواريخ جافلين، وعثر عليها في غريان، والأردن، والسودان بمرتزقة الجنجويد وقوات الدعم السريع التابعة لحميدتي.
وإلى الآن نرى الرئاسي يكرر ذات البيانات واللهجة فقط يقوم بتغيير فقرات من النص والتواريخ، ولا يبالي بالذي يحدث، ولا يتخذ إجراءات قوية حازمة للرد على الدول التي تتدخل في سيادة البلاد وأمورها الداخلية.