Menu
in

الرئاسي .. حضور الشرعية وغياب الفعل

من خلال مسيرة المجلس الرئاسي التي تجاوزت الخمس سنوات والإخفاقات التي ارتبطت بأدائه وعجزه عن حلحلة المشاكل وتجاوز الصعاب رغم توفر الإمكانيات والتأييد الشعبي الداخلي والدعم الدولي، لكنه في كل موقف يثبت ضعف أدائه وافتقاره لبديهيات التعامل مع شؤون الدولة، بل أصبحت القناعة عند الكثير من المتابعين أن الرئاسي حاضر بصفته فقط وغائب بأفعاله وتعامله مع ما يدور من أحداث ضمن نطاق نفوذه وإدارته.

وليس خافيا أن رئيس المجلس منذ توليه مهامه يتعمد التعامل ببرود يصل إلى استدامة الأزمات والمداراة على المقصرين وحتى المتورطين في الفساد، وملفات السيولة والكهرباء والوقود والصح وغيرها أكبر دليل على عجز المجلس رئيسا ونوابا.

الحديث عن ضعف المجلس الرئاسي يقودنا اضطرارا إلى ما نعيشه هذه الفترة من كيفيّة تعامله مع العدوان الذي يقوده حفتر منذ قرابة السنة وكيف ضيع بفشله التأييد والدعم الدولي والخذلان الذي أصيب به الشارع نتيجة غياب الرؤية والقرار الفعال والأجراء الحاسم لمواجهة مثل هذا العدوان؛ فأصبح الشارع الداعم لحكومة الوفاق يتساءل متناسيا هموم حياته اليومية:

لماذا تأخر الحسم رغم توفر الامكانيات؟

لماذا لم يتم تعيين وزيرا للدفاع؟

لماذا التمسك برئيس أركان لا يوجد له أيّ تأثير أو أثر في سير المعركة؟

لماذا الإصرار على ترك جهاز المخابرات بلا رئيس؟

لماذا لم يتم اتخاذ موقف واضح وإجراء حاسم تجاه الدول الداعمة للانقلابي حفتر؟

لماذا لم يتم محاسبة الوزراء والوكلاء المقصرين واستبدالهم بكفاءات ترفع من شأن حكومة الوفاق؟

وغيرها من التساؤلات التي تشوش على أية مجهودات يبذلها بعض الوطنيين في حكومة الوفاق الوطني وعلى رأسهم وزير الداخلية الذي لم يألُ جهدا منذ توليه منصبه من أجل حفظ الأمن والمجاهرة به وحفظ هيبة الدولة ومؤسساتها رغم خذلان بعض المسؤولين في الحكومة، وليس من المبالغة القول: لو قام بقية الوزراء بنصف نشاط وزارة الداخلية لتحسّن الوضع كثيرا.

من خلال ما سبق يتضح لمن يتابع أن هناك قصورا واضحا في أداء رئيس المجلس الرئاسي ونوابه وحكومته، ولكن ما استجد علينا هذه الفترة هو تهديد انتشار وباء فيروس الكورونا واكتشاف بعض الحالات بعد أن اجتاح معظم دول العالم حاصدا الارواح ومدمرا الاقتصاديات وناشرا الرعب بين الناس وفاضحا لفساد الحكومات وعجزها، وما حدث وعايشناه من ردة فعل باهتة من قبل حكومتنا تجاه هذه الجائحة، وما نشاهده من تخبط واضح في إدارة الأزمة وغياب الخطة لمعالجة الوضع الصحي المتهالك والاستفادة من تجارب الدول التي لازالت تواجه خطر هذا الوباء المرتبط بحياة وسلامة المواطنين أولا، وبالمخاطر التي سيخلفها على اقتصاد البلدان واستقراره ثانيا، وخاصة أننا لازلنا نواجه عدوان حفتر وهجومه واستهدافه للمدنيين في بعض المناطق و المدن في الغرب الليبي.

يحدث ذلك بالتوازي مع زيادة الاحتقان عند الناس وارتفاع صوت الشارع المطالب بحقوقه، وهو تصرف طبيعي تجاه الحكومة ومسؤوليتها أمامهم، وعلى الرئاسي عدم استغلال ذلك سلبيا؛ فتمسك الناس بحكومة الشرعية ودعمهم لها وحرصهم على الوقوف صفا واحدا في مواجهة مشروع العسكرة، لا يعني التفريط في سلامتهم وسلامة عائلاتهم، خاصة وأن هذه الحكومة تتعمّد -كما ذكرت- تهميش أبسط مطالبهم المتجسدة في بديهيات السلامة والخدمات التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية.

إلى حين كتابة هذه الأسطر، لم تقدم الحكومة أي برنامج أو خطة لإدارة الأزمة، ومطالب البلديات بشأن إحداث إصلاحات ضرورية ومستعجلة في وزارة الصحة هي ردة فعل طبيعية في ظل هذا الضعف الواضح في أداء الحكومة المركزية. أقدر جيدا ظروف الأزمة والاحتقان الموجود، وأمامي مشاهد لكثير من الحكومات في العالم التي لم تستطع السيطرة حتى الآن على هذه الجائحة، لكن هذه الحكومات قدمت خططا وتحركت بجدية وهو ما نعيبه على حكومتنا التي لم تسر في هذا الاتجاه، فالحديث عن خطورة الوضع أصبح مضيعة للوقت، ورغم كل شيء أناشد رئيس المجلس الرئاسي ونوابه الابتعاد عن أمرين:

• التمسك بالأشخاص على حساب الوطن، وهذا يستوجب إشراك الآخرين وتقبل النقد وتقريب الكفاءات والاستفادة من تجارب الآخرين.

• الابتعاد عن سياسة اللامبالاة التي تقود الناس إلى الاعتماد على أنفسهم ومعالجة أزماتهم بمفهوم “الفزعة” والجهود الخيرية والاستغناء عن حكومته والتفريط فيها.

أخيرا .. لا شك أن ليبيا تمر بأصعب ظروف ربما منذ تأسيسها، فقد اجتمعت عليها نوائب الدهر وأصبحت بين مطرقة الحرب وسندان الوباء، ممّا يفرض علينا التفكير عميقا في البحث عن مخرج دون فتح المجال أمام الفوضى التي قد تأكل الاخضر واليابس، فقوانين المادة وسنن التاريخ تخبر بأن التراكم الكمي يقود إلى تحول نوعي، واجتياح الأوبئة يفاقم الأزمات ويصعد الانفلات والتطورات السلبية قد تقود إلى انفجار وعنف وفوضى تخرج عن السيطرة وهذا يستوجب على الحكومة الحالية أن تستوعبه وتعمل بجدية على التفكير في السيناريوهات المقبلة ورصد تحولاتها وانعكاساتها سياسيا واقتصاديا وإحداث تغيرات سريعة في المناصب والتكليفات بما يتماشى مع ظروف الأزمة الراهنة وكيفية الخروج منها بأقل الخسائر.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version