أعادت فضيحة السلاح النوعي الأميركي الذي عثر عليه في مخازن قوات اللواء المتمرد على الشرعية الليبية خليفة حفتر بعد الانتصارات الثورية الليبية في غريان، قصة الطفل السوري إيلان والذي عُثر عليه ميتاً على شواطئ تركيا وهو يحاول الهروب بجلده من جحيم العصابة الطائفية وسدنتها المحتلين في سوريا، فالأميركيون الذين كانوا يبررون لسنوات عدم سماحهم بوصول أسلحة نوعية للثوار في الشام من أجل وقف الآلة الجهنمية الجوية الأسدية عن القصف والإبادة، ها هي اليوم تسمح بوصول أسلحة نوعية متطورة أميركية إلى المتمرد حفتر.
كانت تبريرات وصول حفتر لهذه الأسلحة مضحكة وغير مقنعة، فقد قال الأميركيون إنهم باعوا هذه الأسلحة لفرنسا ومن هناك تم تسريبها وتهريبها للإمارات التي سلمتها بدورها للضابط المتمرد، ولكن كل من لديه أبجديات المعرفة عن كيفية بيع وتسليم الأسلحة الأميركية للغير يعرف أن من أول شروطها معرفة المستخدم الأخير، وبالتالي فنحن هنا أمام تآمر وتعاون وتنسيق بين دول ثلاث من أجل دعم شخصية مجرمة متمردة على الشرعية.
الأميركيون اختاروا طريقاً آخر وهو طريق تدمير سوريا بحرمانهم من وصول السلاح النوعي للثورة السورية، بل ووصل الأمر إلى تهديدات مباشرة لأي دولة تقوم بتوفير مثل هذه الأسلحة.
هنا تنهار كل التبريرات الأميركية التي سيقت لسنوات عن مخاوفها من وقوع الأسلحة النوعية فيما إذا أرسلت للثوار في سوريا بالأيدي الخطأ، ليتبين الأيدي الخطأ هي أقرب حلفائها لها وهي فرنسا والإمارات التي سلمت تلك الأسلحة النوعية لحفتر وصحبه، بل بلغ الأمر درجة خطورة حين تبين لاحقاً أن الأسلحة النوعية الأميركية التي سلمت للإمارات وجدت طريقها إلى تنظيم القاعدة في اليمن، حيث تتحدث التقارير عن دعمه ومساندته من أجل تحقيق مكاسب موضعية تكتيكية.
إذن انهار ما حاولت الإدارة الأميركية الترويج له على أنه غطاء أخلاقي لحرمان ثوار الشام من الحصول على أسلحة نوعية وهي الأسلحة التي لو توفرت لعصمت أرواح مئات الآلاف ممن رحلوا وقتلوا، وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمشردين، فضلاً عن دمار بنية تحتية بحاجة إلى عشرات المليارات، وربما مئات المليارات من الدولارات، ومعه توتير الوضع الاقليمي والدولي، ولا أحد يعلم عن تداعياتها على المديات المتوسطة والبعيدة، ولا أحد يعلم إلى أين ستوصلنا هذه الملهاة المأساة في ظل حرمان الثورة من أسلحة نوعية ترغم المحتل وذيله على الرضوخ لإرادة الشعب.
هل كانت الملايين التي فرّت بدينها وحريتها، وصوّتت بأقدامها ضد العصابة الطائفية المجرمة بحاجة أن تفر وتهرب من بلدها، وترهق بذلك أصحاب البلاد التي رحلوا إليها لو توفرت أسلحة نوعية كالمضادات الجوية، وهو ما كان قد حيّد سلاح الجو الأسدي والروسي، وأرغمهم على الرضوخ لمطالب الشعب، لكن الأميركيين اختاروا طريقاً آخر وهو طريق تدمير سوريا بحرمانهم من وصول السلاح النوعي للثورة السورية، بل ووصل الأمر إلى تهديدات مباشرة لأي دولة تقوم بتوفير مثل هذه الأسلحة النوعية للثوار في سوريا.
أحمد زيدان: كاتب وصحفي سوري.