Menu
in

معركة طرابلس.. استكبار عسكريٌّ ينكسر ومدنية الدولة تنتصر

منذ أن أعلن المبعوث الأممي غسان سلامة منتصف أبريل موعداً للملتقى الوطني الجامع والذي كان سيجمع الفرقاء في مدينة غدامس تفاءل كثير من الليبيين وتباشروا بقرب حلّ الأزمة وتجاوز حالة الانسداد والجمود التي أرهقت الوطن والمواطن، خاصة وأن هذا الإعلان جاء بعد تفاهمات وتوافقات اعتُبِرت كـ”ضمانات” لإنجاح الملتقى، وكان أبرزها اتفاق أبوظبي الذي أكّد على مدنية الدولة وخضوع المؤسسة العسكرية فيها للسلطة المدنية وحتمية الحلّ السياسي للأزمة، وفي أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطوني غوتيريش” الذي جاء ليؤكد على مساعي ممثّله ومبعوثه الخاص في إنجاح الملتقى الجامع، أعلن خليفة حفتر انقلاباً جديداً على التفاهمات والاتفاقات والعملية السياسية برمّتها، ومضيفاً انقلاباً جديداً إلى سجلّ انقلاباته الحافل بالخيانة والغدر ونقض العهود، مسيرته الانقلابية التي بدأها بخيانة شرفه العسكري ومشاركة الانقلابي الأول “القذافي” في انقلابه على الملك إدريس، ثمّ إنه خان رفيقه وشريكه القذافي وانقلب عليه في معركة وادي الدوم وسلّم الجنود الليبيين الذين زُجّ بهم في معركة لا يدرون أسبابها إلى القوات التشادية لينجوا بنفسه مؤكداً على انعدام شرفه العسكري، وتوالت انقلاباته فانقلب على المعارضة الليبية في الخارج بعد ما انضمّ إليها، وحاول الانقلاب على المجلس الوطني الانتقالي وفشل، وأعلن انقلابه على المؤتمر الوطني العام من شاشات التلفاز وجمّد الإعلان الدستوري، وانقلب على الاتفاق السياسي وأخيراً انقلب على العملية السياسية التي أحسّ أنها إذا مضت ستطيح بأطماعه في السلطة المطلقة التي يسعى لها ويُعدّ أبناءه من بعده ليرثوها.

هجوم حفتر على العاصمة طرابلس أكّد أن الرجل لا يعرف غير الانقلابات سبيلاً ووسيلة للوصول إلى السلطة، وأنه لن يتحاور إلا بفُوّهات البنادق والمدافع، ولن يرويَ تعطّشه إلى السلطة إلا بدماء الليبيين التي لا يتوّرع في إسالتها وهو ماضٍ في انهزاماته المتتالية، ورُغم أن الحربَ كُرهٌ وشُؤْمٌ لا يتمنّاها ولا يسعى إليها عاقل، فإن نار الحرب التي أوقدها حفتر في طرابلس نفت الخَبَثَ الذي تراكم على معدن فبراير النفيس، وجَلَتِ الصدأ الذي علا على نفوس جنود هذه الثورة المباركة، فتنادوا جميعاً مُتسَامين مترفّعين على خلافاتهم يذودون عن مدنية دولتهم وثورتهم، ويصونون التضحيات التي بذلت، ويحافظون على شعلة الأمل في دولة الحرية والعدل والقانون والمؤسسات متوقّدة في نفوس الأحرار من أبناء هذا الشعب الأبيّ.

حفتر بحربه على طرابلس كشف عن سوأة استبداده القبيحة التي كان يسترها بدثاره المهترئ “الحرب على الإرهاب”، وبلغ وعيُ الناس اليومَ حدَّ اليقين أن جيشه الوطني ليس إلا أكذوبة لا توجد إلا في خيالاته، وأنه لا يقود إلا جماعة من الضباط المارقين والمرتزقة والمغرَّر بهم، وأن الدعم الإقليمي الباذخ الذي يتلقاه من الدول الراعية للاستبداد والطغيان لم يفلح في كسر عزيمة الليبيين وإصرارهم على مدنية دولتهم، وأن قطيعتهم مع الدكتاتورية وحكم العسكر أبدية لا رجعة فيها ودونها بذل المُهج والأرواح.

حرب حفتر على طرابلس ضيّقت مجال المراوغة في المواقف الدولية، وجعلت كل التعابير الدبلوماسية لا محلّ لها من إعراب بطولات قوات الوفاق على الأرض، وأصبح موقف الحياد من كلّ أطراف الصراع ظلماً واضحاً وانحيازاً فاضحاً ودعماً صريحاً للنهج العسكري الذي يريد من خلاله حفتر أن يفرض نفسه طاغيةً مستبدّاً على الليبيين، ولن تفيد تصريحات الدول في التأكيد على حتمية الحل السياسي ما لم تخرج من حيادها الأثيم وتقف مع تطلعات الليبيين في دولة أساسها الحرية والديمقراطية والعدالة.

قوات الجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق والقوات المساندة لها كما هي قادرة على صدّ هجوم حفتر الغادر على طرابلس فهي قادرة أيضاً على حماية مدنية الدولة وتغيير معادلة المشهد السياسي وإعادة بنائه وتنقيته من شوائب العسكرة والاستبداد، وهي قادرة كذلك على تغيير الموقف الدولي، بما تفعله وستفعله على الأرض، وقد بدأت الدول تغير مواقفها وتتخلى عن حفتر وتسحب من تحت رجليه بساط تأييدها وإن كان بالصمت، وفي موقف الولايات المتحدة أوضح الدلالات على ذلك.

إن كلّ حديث عن الحوار والعملية السياسية لن يجد أذاناً صاغية ما لم تُردّ شراذم الغدر والانقلاب على أعقابها خاسئة مدحورة، ولن يهدأ بركان الغضب الذي أثارته عنجهية حفتر وحماقته حتى يقذف به سحيق من أودية تاريخ العار مع رفيقه القذافي ومن قبله هتلر وستالين وهولاكو ونيرون، وإننا على يقين أن انكسار حفتر في طرابلس –والذي بات قريباً- سيكون نهاية مشروعه العسكري العفن الذي ستنجلي قتامته وانبعاثاته المُظلمَة الكريهة عن المنطقة الشرقية لتعود مدنها كما كانت قلاعاً وحصوناً لمدنية الدولة وحريّتها.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version