Menu
in

اشتباكات طرابلس وثمارها المُرة

قرابة شهر كامل عاشته العاصمة طرابلس تحت وطأة الحرب ووابل الرصاص في اشتباكات خلّفت أكثر من 130 قتيلا، وأكثر من 385 جريحا حسب الإحصائية الرسمية الصادرة عن وزارة شؤون الجرحى بحكومة الوفاق، هذا العدد يتضمن مستشفيات طرابلس فقط، إذ لا وجود لإحصائيات الضحايا من المدن الأخرى.

وككل معركة عسكرية أو اشتباكات مسلحة، يتذرع كل طرف فيها بحجج وذرائع يبرر بها قتاله، ورغم تعدد أطراف هذه الاشتباكات، إلا أن الحجة التي جاءت بها القوات المهاجمة هي “القضاء على ميليشيات المال العام”، في إشارة منهم إلى القوات المسيطرة على العاصمة، والأخيرة قابلت ذلك بحجة “الدفاع على أمن طرابلس وأهاليها”، معززين حجتهم بالتبعية للدولة متمثلة في المجلس الرئاسي.

وكادت أن تكون هذه الاشتباكات “سابقة” في ليبيا؛ لعدم اتهام أي طرفٍ فيها للآخر بتهمة “الإرهاب والخوارج”، لولا ظهور مجموعة أطلقت على نفسها “قوات بدر” وأعلنت أنها ستحفظ طرابلس من “الخوارج”.

وبعيدا عن هذه الحجج التي هي إلى الادعاء أقرب منها إلى للحقيقة والواقع، فإنني أستطيع القول بأن القوات المسيطرة على طرابلس ليست قوات نظامية لأسباب كثيرة أبرزها استخدام قوتهم في ابتزاز الدولة، ولعل عرقلتهم لحزمة الإصلاحات الاقتصادية بعد ضغوطهم على الرئاسي، وهو ما جعل الرئاسي يتحجج –هو الآخر- بضرورة وجود ما أسماه “الأطر القانونية”، والتي تجاوزها الرئاسي بعد تحجيم –إن صح التعبير- هذه القوات.

في ذات الوقت، هذا لا يعني أن القوات المهاجمة –سواء اللواء السابع أو لواء الصمود-، هي المخلص والمنقذ من توغل هذه القوات وسطوتها على مؤسسات الدولة الحيوية، والتي أصرت على ضرورة أن يتخذ المجلس الرئاسي قراراً بحلّ هذه القوات متناسية أن الرئاسي نفسه قد أصدر قرارا سابقا بحل قوة اللواء السابع، وبالتالي من الطبيعي أن يكون لها أهداف غير معلنة، ولا غرابة لو كانت هذه الأهداف هي السعي إلى السيطرة والنفوذ.

إذن نستطيع القول أن ما حدث في العاصمة هو محاولة للسيطرة والنفوذ من قبل ميليشيات رغم واقعية الحجة التي جاءت بها وهي القضاء على الفساد في العاصمة، إلا أن القضاء على الميليشيات لا يتم استبدالها بميليشيات أخرى.

والمسبب الأبرز الذي أوصلنا إلى هذا الوضع الأمني المتأزم في طرابلس هو المجلس الرئاسي الذي تقاعس عن تنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، وفضّل التخندق وراء الميليشيات التي استغلت الفراغ المؤسساتي وتمددت فيه، والنتيجة هي مزيد من السيولة الأمنية، والفساد المالي، والفوضى بشتى أنواعها.

ولئن اتفق الجميع بأنه “لا شيء جيد في الحرب إلا انتهاؤها”، ورغم الدماء والأشلاء إلا أن أمورا حدثت لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عنها، والتي تعتبر نتيجة لهذه الاشتباكات، أبرزها “الحد الجزئي” من توغل الميليشيات، ولفت وعي الشارع إلى خطوة الفساد المستشري والذي أدى إلى مثل هذه المآسي، كما أسهمت في زيادة وعي الناس بأن الوسيلة الوحيدة للاستقرار هو السير في طريق بناء دولة المؤسسات والقانون، ولا شيء غير ذلك.

العودة إلى الوراء بعد كل ما حدث يُعدّ انتكاسةً لا تقل حجما عن حجم الحرب في حد ذاتها، ولا سبيل لتلافي ذلك إلا بتغيير المجلس الرئاسي لطريقة تعامله مع الأحداث، واستيعابه لمدى التحديات التي تواجهه، وأنه الجسم الوحيد القادر على أن ينحو بليبيا تجاه الاستقرار، أو يرمي بها في أتون الفوضى والدمار، ولعل أبرز الأمور التي يفترض أن يسير إليها:

–      عدم الارتهان إلى الميليشيات مهما كانت توجهاتها أو انتماءاتها، ودعم القوات النظامية وتمكينها من مؤسسات الدولة خاصة.

–      متابعة سير الترتيبات الأمنية في طرابلس وباقي المدن بالتوازي مع تعيين رئيس أركان ووزير دفاع جديدين.

–      متابعة أوضاع السجون وقيادة كل جهود المصالحة ورأب الصدع بين المدن.

–      أخيرا وهو الأهم، التجهيز للانتخابات بكل مستوياتها، خاصة بعد تمرير مجلس النواب لقانون الاستفتاء.

إن المعضلة في ليبيا ليست عسكرية، إذ لو كانت كذلك لانتهت عن طريق عمليتي فجر ليبيا أو الكرامة، وليست قانونية لأنها ستنتهي بحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا القاضي بحلّ البرلمان، وبطبيعة الحال ليست دينية أو اجتماعية، فشيوخ الدين والمصالحة فشلوا في كل مساعيهم لحلها حتى أصبحوا مشكلة وليس حلا، لكنها أزمة سياسية تتلخص في سؤال “من يحكم؟”، وستستمر ما لم يتوافق الليبيون على صيغة واقعية يتداولون فيها السلطة ضمن إطار التنافس والسلمية.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version