Menu
in

بين سلوك “ويليامز” ومصالح الدول المتدخلة.. تبقى ليبيا رهينة أزمتها واستدامة الوضع المفتت

منذ 2014 كان للبعثة الأممية دور محوري وهام في إدارة ملف الأزمة الليبية، واعتُبر رئيس البعثة الأممية في ليبيا أو من يحل محلّه هو واجهة الموقف الدولي والعبر عن إرادة المجتمع الدولي من خلال دعم معلن ومستمر، ومن أبرز الشخصيات التي كان لها الدور هي السيدة “ستيفاني ويليامز” بصفتها رئيسة البعثة الأممية بالإنابة سابقا، وبصفتها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا حالياً، ولا اختلاف في الدور الذي تلعبه رغم اختلاف الصفة، وانطلاقاً من أن التقييم العلمي للأداء السياسي ونتائجه يحتاج إلى تحليل السياق الدولي والإقليمي والمحلي، فالمتتبع بدقة لسلوك السيدة “ستيفاني ويليامز” عبر السنوات الماضية -رغم الهالة المحاطة بها- يخرج بالنتائج الآتية:

موارد وفرص كبيرة ونتائج متواضعة:

هامش تدخلاتها وحركتها في الملف الليبي كبيرة نسبيا؛ بسبب عدم اهتمام الإدارة الأمريكية بالتفاصيل بالملف الليبي، الأمر الذي منحها فرصا وموارد كبيرة للتأثير دون نتائج تذكر، فضلا عن الدعم الدولي وإعلان برلين وغيره، ولكن الأمر انتهى إلى انقسام وفشل خارطة الطريق برمتها.

تغليب النجاح الشخصي على الإنجاز السياسي:

تسعى “ستيفاني ويليامز” إلى تحقيق نجاح شخصي يضاف لسيرتها الذاتية بغض النظر عن كونه مفيداً لليبيين ويحل الأزمة أم لا، فالتجربة أثبتت أنها حريصة وحساسة بكل ما يمس بسيرتها المهنية، والمفاوضات في جنيف كانت عبارة عن إدارة للجلسات وحرص على إثبات حسن سيرة وسلوك دون الاكتراث للنتائج، وهو ما جعلها تصرّ على حلول نصف ناضجة ومليئة بالثغرات، الأمر الذي قاد في النهاية إلى إنتاج مسار سياسي فاشل وحكومة فاسدة.

غياب الرؤية وازدواجية المعايير:

تحرص “ستيفاني ويليامز_ على الاستحواذ على الملف الليبي دون رؤية واضحة، وتستخدم معايير مزدوجة بشكل فاضح، ففي الوقت الذي قبلت فيه قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب استعدادا لاستحقاق 24 ديسمبر الماضي رغم الرفض الشديد من كثير من الفئات بما فيها مجلس الدولة والحكومة، تغاضت عن تقدم الدبيبة للترشح، ولم تشهر في وجهه التعهد الذي وقعه تحت رعايتها بعدم الترشح، كما كان دورها سلبياً بشأن الرشاوى التي شابت اختيار الحكومة وهي موثقة لدى البعثة.

ما تقوم به ويليامز هو إدارة الأزمة لا إنهاؤها:

ففي الوقت الذي تتعامل فيه مع مجلس النواب ومجلس الدولة كأجسام شرعية وتجلس معهم وتسعى لرعاية إصدار قاعدة دستورية عبر هذه الأجسام، تتخذ موقفا مريبا في التعامل مع ما صدر عن مجلس النواب لا بالرفض ولا بالقبول، وهذا يؤشر إلى رغبة في استمرار الوضع المفتت الذي يؤدي إلى ضعف الحكومتين وضعف مجلسي النواب والأعلى للدولة، وكل الأجسام السيادية كالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار وغيرها، التي أصبحت تشعر بأنها موجودة في وضع هش ومفكك، وبالتالي تضطر إلى البحث عن الحماية المستمدة من البعثة وروافدها، والسفراء خاصة السفير الأمريكي، وهو ما يدفع أغلب قيادات الجهات السيادية إلى البحث عن علاقات مباشرة ومستقلة مع الدول المتدخلة في ليبيا؛ للحصول على الحماية والدعم للاستمرار في وسط هذا الصراع.

إهدار السيادة لضمان مصالح الدول المتدخلة:

ومن المحزن المخزي أن نرى بعض سفراء الدول يجتمعون بمحافظ البنك المركزي أو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط أو المؤسسة الليبية للاستثمار وكأنه رئيسه المباشر ويقرر ما يشاء في إهدار صارخ للسيادة الوطنية.

والأكثر مرارة أن أغلب قادة التشكيلات المسلحة يجوبون الدول ويلتقون بأجهزة المخابرات ويتلقون الدعم والتوجيه تحت تأثير المال والنفوذ، والخطير أن نسبة كبيرة منهم لا دراية لهم بالسياسة ولا بدهاليزها ومدى خطورة ذلك على سيادة ليبيا، وما ينتجه من استمرار للفوضى الأمر الذي يجعل منهم أداة لإفساد المشهد السياسي وتأجيج الصراع.

ومن المؤسف أن جل هؤلاء هم ضباط في الدولة يحملون مراسيم، وما يقومون به مكشوف لكل الجهات الرسمية وأصبح سلوكاً عادياً غير مستهجن ويمارس دون حياء أو خجل.

الوضع المفتت هو الأنسب لمصالح الدول المتدخلة:

ما سبق يفسر حرص أغلب الدول المتدخلة في الشأن الليبي على استمرار الوضع المفتت أو إنتاج حكومة ضعيفة، لأنه وضع يمنحها فرصة أكبر للتدخل واستخدام ليبيا ميدان صراع مع الخصوم، والأخطر من هذا أن الخطة البديلة لاستمرار الوضع المفتت والهش هو حرصهم على دعم شخصية ضعيفة إذا كانت هناك أي جولة تدعو لاختيار رئيس حكومة، حدث هذا في الصخيرات وحدث في جنيف بشكل مريب وفاضح،

ومتابعتي الدقيقة لتفاصيل الأحداث تؤكد أن هذا السلوك متعمد ومخطط له، ورغم محاولة الابتعاد عن تفسير المؤامرة والبحث عن تفسيرات أخرى كإلقاء اللوم على إكراهات الصراع وبعض الأطراف، ولكن الحقيقة تؤكد بشكل واضح أن الإرادة الدولية تحرص على إدارة الصراع والتحكم فيه أكثر من حرصها على حله لأن هذا هو الأضمن لمصالحها، وما حصل في جنيف والموقف من فشل انتخابات ديسمبر بترشح شخصيات جدلية كان من الممكن منعها بالقانون ونجاح المسار الانتخابي،

وما حصل بشكل أوضح من خلال موقف هذه الدول والبعثة من التوافق الليبي الذي حصل لأول مرة أخيراً وكان ينبغي دعمه ونتج عنه حكومة اختارها البرلمان بعد أن تحصلت على التزكيات المطلوبة من مجلس الدولة، كل هذا يؤكد الإرادة الدولية المعيبة والعابثة بالشأن الليبي.

رئاسة باشاغا للحكومة يهدد حالة التدخل المسيطِر:

وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الجديد وهو السيد فتحي باشاغا يعتبر شخصية معروفة ومحل ثقة ودوره واضح في دعم كل محطات الحوار ويحظى بعلاقات مميزة مع هذه الدول ولديه تجربة عملية هامة،

وطريقة اختياره ثبت أنها تمت من خلال توافق وإرادة ليبية لم تتوفر منذ 2014، فإن موقف الدول المتدخلة والمجتمع الدولي كان ضبابياً وسلبيا، فما هي الدوافع وراء هذا الموقف؟

لمعرفة الإجابة لا بد من الحديث عن شخصية السيد باشاغا، وهو لا شك له أخطاؤه كأي إنسان وأي سياسي،

لكن ما هي مميزاته التي تساعدنا في في معرفة الدوافع وراء موقف هذه الدول ما دام الرجل وصل بطريقة صحيحة عبر الجهات الشرعية وهو محل ثقة من أغلب هذه الدول المتدخّلة في الشأن الليبي، بل أغلبها تعاملت معه مباشرة سياسيا وعسكريا وفي مجال مكافحة الإرهاب وعبر الحوارات السياسية.

كما أنه بشهادة الجميع يتمتع بنظافة اليد وبمصداقية عالية جدا لدرجة أفقدته شيئاً من الدبلوماسية أحيانا، والأهم في صفات الرجل كشخصية سياسية يعرفها كل من خالطه حساسيته الشديدة تجاه سيادة الدولة، وصلابته التي تمنعه من الانقياد، فهو مستقل في قراراته لدرجة كبيرة لا تتناسب أحيانا مع هشاشة الدولة والظروف التي تمر بها، لذلك فإن هذه الدول كانت حريصة على تقلد السيد باشاغا لوزارة الداخلية، وكانت تتمسك به وتشجعه وتعلن أنها في تنسيق وتعاون كامل معه في ملفات مهمة، ما أثار غيرة رئيس المجلس الرئاسي وقتها فايز السراج ونوابه.

إن حرص باشاغا على استقلالية القرار الليبي وحرية الإرادة الليبية الذي كان ملموسا منه حتى أثناء دوره الكبير في الدفاع عن طرابلس، جعلت كثير من الدول التي تربطها به علاقات جيدة لا ترحب بتولي باشاغا لرئاسة الحكومة، بل بعضها -وهذا من مصادر مؤكدة- نصح بأن يكون وزيرا للداخلية.

هذه المواقف تؤكد كراهية هذه الدول أن تخرج ليبيا من أزمتها وحرصها الواضح على استمرار الوضع المفتت أو الضعيف إذا لزم الأمر.

وقد أشار السيد باشاغا أخيرا في إحدى كلماته إلى ذلك بعد أن اتضح له الأمر جليا وقال بعبارة: (ربما قصرنا في التشاور مع بعض الدول)

وموقف هذه الدول من حكومة باشاغا يؤكد أن كل ما يقال من أن باشاغا قد دخل في صفقة مخلة مع مصر أو حفتر أو أي دولة أخرى كل ذلك لا أساس له، وكون الحكومة موسعة غايته إشراك كل الأطراف فيها، وهو ما تفرضه طبيعة الصراع، طبعا لاشك أن هناك دول دون أخرى لها مصالح مشروعة ربما تتحقق من وراء هذه التسوية نظرا لأنها بادرت مثل مصر.

كلمة أخيرة لليبيين:

ختاما أتوجه بالكلام لكل ليبي يحب ليبيا ويرجو لها الخير والأمن والاستقرار وعودة سيادتها، خاصة النخب والمثقفين والساسة مهما اختلفت توجهاتهم،

أدعوهم إلى مناقشة هذا الطرح ومباحثته بالشواهد من الواقع، والتخلص من الأفكار المسبقة والتجرد من الدوافع الشخصية.

قد تكون ليبيا في مرحلة مفصلية تحتاج منا جميعا أن نعي ما يحاك لنا وما يخطط، وأن نغلب مصلحة الوطن بالالتفاف على هذا التوافق الوطني وإن كان في بداياته وندعمه، ونضع كل متدخل في شأننا في حجمه وعند حدّه، فبهذا وحده نحقق استقرارنا وننطلق في نهضتنا ونبلغ آمالنا.

أُترك رد

كُتب بواسطة مرام عبدالرحمن

Exit mobile version