Menu
in

وهم اللايك ..!!!

يعرِّف الفيلسوف الألماني فريديرك نيتشه الوهم بأنه ” كل ما أنتجه الإنسان من معارف ناتجة عن رغبته اللاشعورية في البقاء ” ، هنا بالإمكان تصنيف البقاء إلى عدة أنواع ومنها البقاء في الساحة، في ليبيا وبعد ثورة فبراير طفا إلى السطح أشخاص كما قال ابن خلدون حينما تنهار الدول “يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون والقوَّالون والكتاب ومغنو النشاز والشعراء النِّظاميون والمتصعلكون وضاربو المندل وقارعو الطبول … إلى آخر كلامه”.

وبالتأكيد هذا ما حصل فعليا، فقد انفجر كل شيء قابل للانفجار وتحولت الثورة إلى سوق خضار ربح فيه الرابحون وخسر فيه الخاسرون ولكن دون أن ينتهي هذا السوق.

لعل من المبادئ الأساسية للأنظمة الديمقراطية أن تعطي حق المشاركة للجميع، سواء على مستوى الناخب أو المترشح ولكن ما يحدث في الانتخابات الرئاسية الليبية الأولى في التاريخ الليبي، شيء قد لا يمكن تصديقه على الإطلاق، شعب بتعداد أقل من 7 ملايين نسمة يترشح لحكمه 96 مترشحا رئاسيا من المفترض أنهم تخطوا كل القيود والحواجز القانونية وتحصلوا على الأقل على 5 آلاف تزكية لكل مترشح مما يجعل الرقم الإجمالي قرابة نصف مليون مواطن ليبي مزكٍّ لهؤلاء، ولكن الزحام الرئاسي لن يكون ذا قيمة مقابل التزاحم نحو عضوات البرلمان للمدن والبلديات والتي تكتسيها لذة المال والمرتب الضخم والحصانة والنفوذ وتمديد الفترات والعمل من أي مكان دون أي حسيب أو رقيب.

وإذا تجاوزنا أن هنالك خلالا في البنية السياسية للمجتمع الليبي، وأن أعراف القبيلة والانتماءات العائلية قد تؤثر على خياراتنا خاصة في البرلمان، فالسؤال لماذا يجازف المترشح بهذه المجازفة وهو يعلم أن فرصه ليست محدودة فحسب بل أشبه بالمنعدمة، قد أجد الترشح للرئاسة من بعض الشخصيات مقبولا، فهو إما تأكدا من وصوله للسلطة أو مقامرةً على نيل رئاسة الوزراء أو حتى وزير أو من يريدون العودة للمشهد فحسب كوجوه أفلت منذ 2015 وقالت نحن هنا وما زلنا أحياء سياسيا، أو من ينتظر تكرار سيناريو تونس وفوز الرئيس قيس سعيد بكرسي الرئاسة نتيجة لتوافق كل خصوم القروي على سعيّد وظفره بالمنصب وإن كان شخصية دستورية لها ظهورها القليل لكنها ليست على مستوى المردة الذين نافسهم.

هذا فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة، ولكن ماذا عن المترشحين لانتخابات النواب، فإن مجال المنافسة مفتوح للجميع لكن اعذرني يا صديقي دون كتلة صلبة سواء على مستوى العلاقات أو القبيلة أو الروابط والنقابات فأنت ستكون في مهب الريح، والتصويت يوم التصويت لن يكون بسهولة الضغط على زر أعجبني في تطبيق فيسبوك، فنشرك لمنشور ترشحك للانتخابات البرلمانية لا يعني أنك وضعت قدمك بقوة في السباق وإن تحصلت على الإعجابات، فإن المجاملة والصداقة والرفقة تجبرني وآخرين أن نكتب لك بالتوفيق، فلا تعتقد أن الألف الذين هنأوك أو دعوا لك بالتوفيق هم كتلتك الصلبة.

مجرد الظهور والبروز لن يجعل الأصوات تتحول إلى صندوقك يوم التصويت وسيبقى المردة موجودون، فقط العمل على الأرض والتنسيق الحقيقي هو أول أساسٍ وحجر زاوية تضعها في الطريق، صدقني يا عزيزي اخرج من وهم اللايك وانزل إلى الواقع وستجد هناك اختلافا كبيرا.

إذا راجعت الانتخابات البرلمانية الأولى 2012 والثانية 2014 والبلدية ثلاث مرات فستجد الفارق واضحا وستجد أن هناك أمورا أكبر من تواصل اجتماعي فيسبوكي أو على تويتر أو في كلوب هاوس، صحيح أن الشعوب عاطفية وتمتلك ذاكرة قصيرة لكن من الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.

ليبيا أكبر من فيسبوك وأكبر من مواقع التواصل الاجتماعي ولن تشتري حب الليبيين ورضاهم عنك عن طريق منشوراتك، أنت أساسا أصبحت لا تمتلك خطا حقيقيا لهدفك لأنك تقرأ تعليقات المعجبين وأصبحت تخاف أن تنهار شعبيتك فتكتب ما يطلبه القراء والمتابعون، يا صديقي هناك منحى الأداء ومنحنى الفرصة التي ستأتي، فحاول أن يتقاطع المنحنيان عند أعلى نقطة لك في الأداء وهذا لا يعني شعبيتك الوهمية بل يعني تطورك وتطور إمكاناتك وفي كل المجالات، أنت ستفشل في توجيه النخب للتصويت لفلان أو لعلان، فالناخب يعلم هذا وذاك أكثر منك أساسا ولا تمتلك عليه الأهلية أبدا، وحاول أن تقيس توجهات الشعوب علميا لا فيسبوكيا حينما تكون العشوائية في ذروتها.

أخيرا،،، أتمنى التوفيق للجميع وأتمنى أن نختار الأصلح والأفضل وأتمنى أن يترشح الأفضل والأصلح لا الأشهر، وإن رضى الشعب لا يقاس من مواقع التواصل الاجتماعي فكم من مظاهرات حُشِّد لها فيسبوكيا خرجت هزيلةً على أرض الواقع، وكم من حكومةٍ عملت على إصدار قرارات بتحريضٍ من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وجدت نفسها تسحب هذه القرارات بياتا أو هم قائلون، إن اللايك لا يعبر عن المساندة أو الموآزرة أو الاهتمام، هو قد يكون لغرض الإعجاب بكلمة في جملة طويلة وحينما تنزل على أرض الواقع ستجد اختلافا كثيرا وستعرف أنه ( ما من اللي يمرد تحت اللي يمشي ، وما من اللي يزحف تحت اللي يمرد ) ، فاعمل على أن تخرج من هذه الغرفة المظلمة وكل التوفيق للجميع.

أُترك رد

كُتب بواسطة سالم محمد

Exit mobile version