من “ماري إنطوانيت” إلى “ماو تونج” إلى بشار الأسد حينما يكرر التاريخ نفسه مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة
عندما أقرأ قول الفيلسوف والسياسي “ماركس”: “إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة ” أفكر في عظمة المقولة، وكم الإلهام الذي كان يعايشه وقت قوله هذه المقولة، هذه المقولة نعايشها بالأمس واليوم وسنعايشها غدا؛ لأنه بالإمكان إسقاطها على أغلب الحالات الاجتماعية والتاريخية والسياسية التي ستصبح مشهدا مكررا بشكل دائم.
حينما قالت ملكة فرنسا “ماري إنطوانيت” (1774 – 1792) لشبعها الذي يعاني من المجاعة ويطالب بأبسط حقوقه بتوفير الخبز، “إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء، دعهم يأكلون كعكاً”، وحدث على إثرها الحدث العظيم ألا وهو اندلاع الثورة الفرنسية والتي غيرت وجه البشرية قاطبة، بإسقاطها حكم الطبقة البرجوازية ووصول الثوار لسدة الحكم، وبداية عصر الجمهوريات، كانت في معزل تام عن الشعب وكانت سلسلة العائلة الحاكمة لا تفقه ما معنى الجوع أساسا؟!، ولا عن صعوبة توفير الطحين وخبز الخبز أو الكعك.
مرة أخرى تكرر التاريخ بشكل مأساة حقيقية حينما أعلن الزعيم الشيوعي الصيني “ماو تشي تونغ” (1893 – 1976) الثورة الزراعية والصناعية في الصين، عاشت بعدها الصين أكبر مأساة انسانية على الإطلاق تمثلت في حدوث مجاعة قضى على إثرها قرابة 45 مليون إنسان، في حين كانت تصل التقارير للزعيم الصيني أن الثورة الزراعية حققت أهدافها وأن الشعب الصيني في غاية السعادة والهناء ورغد العيش من عوائد ثورة الزعيم القائد.
المهزلة حينما يتكرر الحدث للمرة الثانية، وقتما عانت وتعاني سوريا الأسد من تبعات دكتاتورية الأسد، حينما سلم الأرض السورية المقدسة وشعبها الكريم للأرمادا العسكرية الروسية تدمر وتقتل وتشرد وتهجر كل من وقف أمامها وعارض وجودها، أو لمليشيات إيرانية تحمل حقدا دفينا على سكان هذه الأرض الطاهرة، وبينما بدأت تظهر على الأرض تبعيات قانون قيصر للعقوبات الأمريكي، وبدأت الليرة تصبح مجرد أوراق فقط، ويصل التضخم في أسعار السلع الغذائية حتى 2000% مقارنة بأسعار عام 2011، خرج الأسد مع صحفيين قبل 6 أشهر متحدثا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة للبلاد، وحينما سئل من أحد الصحافيين عن تدابير الدولة لمكافحة هذه الأزمة رد الطاغية، بأنه “يتوجب على القنوات المحلية التوقف عن بث برامج الطبخ حتى لا تصيب شيئا من أنفس السوريين الجائعين ” في مقال نشر على صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن هذا الاجتماع.
كنت أتساءل دائما كيف للقادة والرؤساء الإدلاء بمثل هذه التصريحات التي تبين مدى سطحيتهم وضحالة تفكيرهم وتوضح بشكل لا شك فيه أنهم معزولون تماما عن الشعب وعن الواقع المرير، المجاعة التي تهدد سوريا لا يمكن وصفها وسط دمار البنية التحتية السكانية والزراعية والصناعية، وحتى ما ذكرته من مثالين قبل المثال السوري كانت في دول مستقرة في بنيتها التحتية على الأقل بصرف النظر عن سوء الإدارة.
الرئيس أو الحاكم يصبح معزولا بالفعل بواسطة هذه البطانة من القطط السمان، التي تضعه على بداية طريق الوهم فيتعمق فيها حتى يصبح الرجوع عن الوهم أمرا مستحيلا، الإعلام والميديا ومواقع التواصل الاجتماعي والجيوش الإلكترونية بإمكانها أن تجعل من الحاكم نمرا من ورق، يمر بالطرقات فتخضر وتزهر، ويمر بالدمار فيُعَمَّر ويُخاطب الشعب عن الطعام فيشبع!
مستشارو الصدفة ومن يتتبعون الحاكم لا لهدف ولا لقضية يتمترسون خلف مصالحهم ويقرأون الواقع من منظارهم لإبقاء الحاكم على كرسي الحكم بشرط أن يبقوا في دائرة الضوء ينتفعون بالصلاحيات، حتى يضيع الجمل بما حمل يوم لا ينفع الندم.
من لايعيش معاناة الفقراء وآلام المساكين لا يستحق أن يتولى الحكم من الأساس، ومن لا يجد الحلول للمشكلات فما الفرق بينه وبين الكرسي الذي يجلس عليه من حيث الفعل؟، ومن يستمع لحديث التطبيل والتهليل والإطراء فسوف ينتهي به المطاف لمصير “إنطوانيت”؟ أو غيرها ممن خلدهم التاريخ في صفحات الطغاة التافهين.
إن تفاقم المجاعات والأمراض لا يقاس بمعادلة خطية ثابتة، ولكنها تأخذ تأثير المعادلة الأسية لتجد أن الأرقام كل يوم تتضاعف ربما بمقدار عشرات المرات، في سوريا سيصبح الهرم والضعف والجوع مصابا عاما أدى بالسوريين للتخلي عن بروتينات اللحوم وحتى البيض واستعاضتها بالفيتامينات حتى لا تنهار الأبدان، سيجعل من المجتمع ينهار ما بين السطو والابتزاز والاستغلال بحثا عن المأكل والمشرب، والأسد ينظر من عليائه يسمع أغاني التمجيد وكلمات الإطراء، وأن هذه مجرد أزمة وستمر وأنه مع شعبه سيجتازون هذه المرحلة بصمودهم وتكاتفهم وتعاضدهم، وان اختلفت بطون الشعب الفارغة عن بطون من هم في بلاط الرئاسة الملئ بما لذ وطاب.
في كل البلدان وفي بلدي ليبيا أيضا توجد نفس الفكرة ونفس الثقافة، فصناعة الجمهور الوهمي يجعل الرئيس حبيس ما صنع، حينما لا تجوع فلا تعمل، وإذا كانت خزنتك مملوءة فلن تفكر في خزنة الآخرين، لكن مقابل هذا الارتفاع الشاهق هنا سقوط سريع بمعادلة أسية أيضا، لتصاب بمصاب العزلة وتجد أن كل ما عملت أصبح في لحظة هباء منثورا، فلا جيوش إلكترونية تدافع ولا مقاولون على قنوات يؤازرون ومن هو في السلطة قريب من القلب، فالأغلبية تريد تسلق السلم الجاهز، وإن كان غير متزن ويفضلونه على إنشاء سلم جديد للوصول لسقف أحلامهم، “إنه النفاق يا هند” مقولة تنسب لعبدالله ابن سلول كبير المنافقين في المدينة تكررت بالأمس وتتكرر اليوم وستتكرر غدا.
عبدالعزيز الغناي