Menu
in

عملية اصطياد أردوغان في ليبيا!

لأن شر البلية ما يُضحك، فقد اختلطت المأساة بالملهاة، في أداء الأبواق الإعلامية في مصر، بعد إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا، وقد صار الأداء مسخرة من العيار الثقيل!

فالقوم يتصرفون على أن القرار الليبي، ليس فقط استجابة لإعلان القاهرة، ولكن رضوخاً له، ولم يقتصر الأداء على الذباب الالكتروني، ولكن شاركهم في ذلك إعلاميون وكتاب وبرلمانيون، وقد أقاموا زفة لزعيمهم المنتصر؛ فـ”أردوغان عرف أن مصر ستصطاده في ليبيا وشرق المتوسط، فآثر السلامة وضغط على حكومة الوفاق لكي تعلن وقف إطلاق النار”، وأن هذا القرار هو “بيان استسلام بالرضوخ لإعلان القاهرة”. ولهذا “اتصل السراج بالسيسي ليشكره على جهوده”!

وقد سبق هذا الاحتفاء بتغريدة منسوبة لفائز السراج يشكر فيها “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”، ودوره في التوصل إلى هذا القرار، وهو الأمر الذي تحول إلى فضيحة يتغنى بها الركبان. وقد احتفت قناة “العربية” بهذه “التغريدة”، باعتبار أنها شكر لموفد القوم في القاهرة، الخالد عبد الفتاح السيسي، ثم أزالتها بعد ذلك وأعلنت أنه حساب زائف للسراج، في حين أن موقع “اليوم السابع” في مصر أصر على أنه حساب حقيقي وليس زائفاً، وإن كان موقع قناة “الحرة” وصفها بـ”التغريدة الفخ”، فهل كانت فخاً فعلا؟!

إذا كان هناك من تورط وأشار إلى هذه “التغريدة” ثم حذف إشارته، كـ”أحمد موسى” الإعلامي الأول للمرحلة، فإن كثيرين استمروا في تأكيدهم عليها، حتى بعد أن تبين الرشد من الغي، ووصل الحال إلى حد الإعلان بأن فائز السراج اتصل برئيسهم المفدى ليشكره على دوره، وهو ما يؤكد أن الحساب المنسوب للقائد الليبي ليس من فعل فاعل أراد التلاعب بالإعلام المصري، ويثبت تفاهة الإعلاميين المقربين من دائرة الحكم!

فاللافت أن من بث هذه “التغريدة” ليس إعلاميا موتوراً، أو ذبابا إلكترونياً اجتهد فأخطأ، فالوكالة الرسمية للدولة المصرية “وكالة أنباء الشرق الأوسط” هي من بثت “التغريدة” وأشارت إلى هذا الحساب، ولهذا كان طبيعياً أن تتلقفها المواقع المصرية المحسوبة على النظام وتعيد نشرها وهي في حالة اطمئنان، مثل “الأهرام” و”اليوم السابع”، ولهذا فعندما قام موقع “العربية نت” بإزالتها ونشر أنها من حساب زائف، أكد موقع “اليوم السابع”، أنه حساب السراج فعلاً وليس زائفاً، فمن أين جاء للقوم هذا اليقين، ولم ينشروا التأكيد بأنها صفحته منسوباً للسراج أو أحداً من أركان حكمه؟!

الحساب الزائف:

الحساب الذي نشر “التغريدة”، يشير تاريخ إطلاقه إلى أنه حديث، ثم أنه ليس موثقاً، ولا يعرف المرء لماذا تغض إدارة “تويتر” البصر عن إنشاء حسابات وهمية لشخصيات عامة. وإذا كان آحاد الناس هم من يذهبون لتوثيق حساباتهم، فلماذا لا يبادرون في “تويتر” لتوثيق حسابات القادة والنجوم؟ ولا ينبغي الرد علينا بأنهم “خواجات” لا يعرفون رموز المنطقة ونجومها، فالمكتب الإقليمي لـ”تويتر” في الإمارات، ولعل هذا يجيب على أسئلة حول حماية الذباب الإلكتروني، فلماذا الإمارات وهي عضو نشط في كل عمليات التخريب في المنطقة؟ فهي ليست دولة تقف على الحياد أو شبه محايدة، كما ليست دولة ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، ولا يمنع استبدادها من أن تخضع البعض لها؛ طوعاً أو كرهاً.

وبدلاً من أن يرتاب من تلقفوا “التغريدة” المنسوبة للسراج لأن الحساب حديث النشأة وغير موثق، فقد اندفعوا يروجونها، بل ويتمسكون بصحة هذا الحساب وهو ما يجعل الفأر يلعب في صدرنا، كناية عن الشك والريبة. وإذا كانت “العربية” قد تراجعت وحذفتها وأعلنت أنه حساب زائف، فما هو سر إصرار مواقع مصرية على أنه حساب صحيح، دون أن تنسب هذا لمصدر وثيق الصلة بصاحب الحساب، إن لم يكن صاحبه نفسه؟ ولماذا لم تتحر الرئاسة في مصر الأمر، لأن التحية تستدعي ردها بمثلها أو بأحسن منها؟

هل كان هذا الحساب الزائف صناعة مصرية خالصة، لقوم يريدون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، في رحلة البحث عن افتعال دور لهم على الصعيد الإقليمي والدولي؟ ولا يتوقف المسؤولون المصريون عن حشر “العالم” في خطابهم، فسياساتهم في مجال التعليم أبهرت “العالم”، و”العالم” يقف مشدوهاً أمام التجربة المصرية في التصدي لفيروس كورونا، ومصر في طريقها لتصدير التجربة المصرية في التنمية لـ”العالم”، فضلاً عن أن “العالم” يحسد المصريين على أن رئيسهم هو السيسي، ثم إن السيسي نفسه قال إن كل الناس من أنحاء “العالم” يأتون إليه ليرشدهم فيصف لهم الدواء الناجز لكافة العلل!

اتصال السراج:

فإذا قمنا بحساب الاهتمام المبالغ فيه بالتغريدة المنسوبة لفائز السراج، على الخفة والفهلوة، فأين نذهب بخبر آخر هو الخاص باتصال هاتفي تلقاه عبد الفتاح السيسي من السراج، ثمّن فيه الدور المصري وشكر صاحبه؟ وأخبار الرئاسة تأتي منها أو عبر المتحدث الرسمي باسمها، وقد تنشرها الصحف والقنوات التلفزيونية لو كان المصدر هو وكالة أنباء الشرق الأوسط، الوكالة الرسمية للدولة المصرية، وهي لا تجتهد فيما يختص بالرئاسة، ولحساسية موقفها تنشر الأخبار الواردة من رئاسة الجمهورية وبتوصية بالبث!

وعندما ينشر خبر الاتصال الهاتفي دون أن يكون قد حدث فعلاً، فإن مثلي يكون معذوراً عندما يذهب بعيداً، وأن هذه الصفحة المنسوبة للقائد الليبي هي من فعل القوم، وهم على يقين من أن السراج سيستشعر الحرج، ولا يمكنه النفي.. فماذا يمكنه أن يقول في هذه الأجواء الملتهبة: لم أشكر الرئيس المصري؟!

وما يجعل هذا الاحتمال هو الراجح عندي هو هذا الاندفاع في اتجاه التزوير، فوزير الخارجية التركي يصرح بأن مصر يمكنها أن تقوم بدور فاعل في الأزمة الليبية، فيجري تحريفه ليكون أن مصر تقوم بدور فاعل في ليبيا!

وهو تحريف نتاج حالة بؤس مؤلمة، أن يتم تقزيم مصر، حتى يكون كل همها تحريف الكلم عن موضعه، لإثبات حضورها في دولة المفروض أنها تمثل عمقاً استراتيجياً لها!

الخط الأحمر:

وافتعال الدور والمكانة بدأ منذ إعلان حاكم مصر أن سرت والجفرة خط أحمر، وإذ لم يتم الحسم العسكري، فقد اعتبرت الأبواق الإعلامية والذباب الإلكتروني أن هذا بفضل إعلان السيسي. ولا يوجد عقل حاكم، يمكن من خلاله ضبط هذا الاندفاع، فالسيسي نفسه لم يعلن الخط الأحمر إلا لأنه يعلم أن هناك تفاهمات تمت بين تركيا وروسيا حول سرت والجفرة، فقرر الدخول على الخط بهذا الإعلان، دون أن يكون هو مطروحاً على جدول المفاوضات التركية- الروسية، تماماً كما يقولون الآن أن قرار وقف إطلاق النار تم استجابة، بل رضوخاً، لإعلان القاهرة، ولأن “أردوغان عرف أن مصر ستصطاده في ليبيا وشرق المتوسط فآثر السلامة وضغط على حكومة الوفاق لكي تعلن وقف إطلاق النار”. فماذا يقول إعلان القاهرة؟!

لقد مضى أكثر من شهرين على هذا الإعلان، والذي كان يقضي بوقف إطلاق النار خلال يومين وحدد ذلك بيوم 8 يونيو، ولم تتم الاستجابة له، وبدا الإعلان وقد تبخر في الهواء الطلق!

ثم إن “إعلان القاهرة” دعا إلى تفكيك ما أسماه المليشيات وتسليم الأسلحة للجيش الوطني الليبي، والمقصود بالمليشيات هنا هو كل من له صلة بحكومة الوفاق، وهو ما لم يحدث، كما أن الجيش الوطني الليبي لم يرد له ذكر، سواء في بيان السراج أو بيان رئيس برلمان طبرق، بل إن قائد الجيش المذكور كان غائباً حد الاستبعاد من المشهد، وهو من كان حاضراً ساعة إطلاق “إعلان القاهرة”، والذي صدر لتعزيز موقفه. ففي أي سطر استجاب بيان السراج لإعلان القاهرة هذا؟!

لقد تزامن مع إطلاق “إعلان القاهرة”، صدور قرار من البرلمان المصري يقضي بالموافقة على دخول قوات مصرية إلى ليبيا، كما تزامن معه الإعلان عن تسليح القبائل الليبية. ورغم أن هذا أثار قلق كثيرين، إلا أنني قلت إن الجيش المصري لن يذهب إلى هناك، وأنه لن يجري تسليح القبائل الليبية، ولم أكن أضرب الودع، أو أقفز في الهواء، ففي الأولى، كنت مستوعباً لشخصية السيسي الذي ليس لديه أدنى استعداد للمغامرة خارج الحدود. وفي الثانية، كانت حيثيات حكمي مبنية على أن العسكر، بل والحكم الاستبدادي بشكل عام يخشى من وجود السلاح في يد الشعب، حتى ولو لمواجهة العدو، فالأنظمة الشمولية تؤمن بضرورة أن تحتكر هي القوة!

تبخر في الهواء:

فلم “يفِ” السيسي بما وعد، فضلاً عن أن “إعلان القاهرة” تبخر في الهواء منذ اللحظة الأولى لإطلاقه. فالإعلان الليبي عزز من موقف الحليف التركي وغيّب حفتر، الخيار الاستراتيجي لمحمد بن زايد ومن ثم لعبد الفتاح السيسي. وأردوغان الذي عرف أن مصر ستصطاده لا يزال جيشه داخل ليبيا، بينما الصياد الماهر لم يُفعّل قرار البرلمان بإرسال قوات إلى ليبيا!

أما الحديث عن الاستجابة لتحذير السيسي الخاص بالخط الأحمر، فالسؤال المنطقي: هو لماذا سرت والجفرة وليس كامل التراب الليبي، ليكون التحذير هو على القوات التركية مغادرة ليبيا الآن، ما دام الخوف يتملك أردوغان من أن يتم اصطياده في ليبيا؟ فكيف يمكن اصطياده وقواته هناك وقد أقام قاعدة عسكرية فيها، بينما لا وجود يذكر لقوات الصياد المخيف؟!

وإذا كانت الأمور تحسم بالتحذيرات التلفزيونية، فلماذا لم تكن الوطية وترهونة، خطا أحمر لوقف زحف الجيش التركي؟!


إنها محاولة للبحث عن أي انتصار بتصريحات للاستهلاك المحلي، لتعزيز صورة “الرئيس الدكر”!

ولا يدرك القوم أنهم جعلوا من أنفسهم مسخرة أمام العالم بهذا الفيلم الهابط، فليبيا صارت شأنا تركيا روسياً، ومصر في العهد التليد تقف على الناصية بحثاً عن أي انتصار عابر لاختطافه!

“عيب”!

المصدر: عربي 21

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version