Menu
in

الأزمة الليبية ومواقف أبوظبي وأنقرة من القضية الفلسطينية

أبوظبي وأنقرة من أكبر الفاعلين في الأزمة الليبية، وتناصر كل منهما طرفا من أطراف النزاع الليبي، وقد تم الزج بعلاقتهما بإسرائيل في التراشق بين الفرقاء الليبيين، وهذا هو رابط العاصمتين بالأزمة الليبية في مقالي هذا.

وأقول إن تطبيع الإمارات، الحليف الأبرز لحفتر، مع الكيان الصهيوني كان أكبر أحداث الأسبوع المنصرم، وفتح ذلك الباب للتراشق وللتكهن حول مدى تأثير ذلك على دور الإمارات في إثارة الحروب في ليبيا.

التطبيع وتداعياته

نعلم جميعنا أن دولة الإمارات غارقة في علاقتها مع إسرائيل وجنحت لصالح الصهاينة على حساب الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، وأن التطبيع الرسمي لا يضيف كثيرا لعلاقات أبوظبي بتل أبيب، وأن دواعي سياسية محضة لها علاقة بأزمات الرئيسين الإسرائيلي والأمريكي كانت العامل الأبرز في توقيت الإعلان عن التطبيع.

الثمن الباهظ الذي دفعته الإمارات والذي وضعها في مواجهة صريحة مع الشعوب العربية وفضح حججها الكاذبة في محاربة الإرهاب والتشدد والتي كانت مبررها لإثارة أزمات وإشعال حروب في المنطقة، يستلزم استمرار الدعم السياسي لها من قبل واشنطن وتل أبيب لاستمرار مشروعها في المنطقة، وقد نرى تصعيدا إماراتيا جديدا ضد حكومة الوفاق ودعما مضاعفا لمشروع الانقلاب.

أتمنى من كل قلبي أن تكون الإمارات في مقدمة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية كما كانت زمن الشيخ زايد، لكن الواقع مختلف اليوم وما يفعله أبناء زايد لا يمكن أن يقبله عربي يعتز بعروبته ومسلم غيور على دينه.

بالمقابل، فإن لتطبيع أبوظبي تداعياته العكسية على الحليف الليبي، ذلك أن جبهة حفتر التي أصابها ما أصابها من التصدع بسبب خسارته حرب طرابلس وبسبب دفع الإمارات حفتر لتبني مواقف ورطته مع حلفائه الصغار والكبار، ستواجه تصدعا إضافيا بسبب هذا التطبيع، وظهر اليوم بعض ملامح التصدع الإضافي عبر تصريحات لبعض من ناصروا حفتر شاجبين ما فعلته الإمارات، وما هو كامن أشد وأكبر، ذلك أن جمهرة من أنصار حفتر قوميون بالنشأة ويعادون الكيان الصهيوني حقيقة، كما تشكل القضية الفلسطينية والكره لإسرائيل بعدا مهما في وجدان الليبيين النشطاء والبسطاء على حد سواء.

أنقرة و”سبة” العلاقة مع إسرائيل

لاحظ معي أن حجة الكثيرين ممن دافعوا عن ارتماء حفتر في أحضان حلفائه الخارجيين، وفي مقدمتهم الإمارات، وناهضوا تحالف حكومة الوفاق مع تركيا، أن أنقرة حليفة للصهاينة، وأن علاقة الأتراك مع الصهاينة متشابكة.

خطأ المقارنة بين علاقة الأتراك بإسرائيل وعلاقة الدول العربية الحليفة لحفتر ومنها الإمارات بها بيِّنٌ ومتعمد، والرد على ذلك هو أن الحكومة التركية اليوم تفكك أو تحجم العلاقة المتينة التي أنشأها حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا لسنوات طويلة، والناظر اليوم لاتجاه الروابط بين أنقرة وتل أبيب يجد أنها في انحدار منذ تولي أردوغان الحكم.

والحقيقة الباهرة اليوم هي أن الأتراك في قطيعة سياسية مع الصهاينة وقد سحبوا سفيرهم من تل أبيب وتم طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة منذ سنوات، فيما تصعد أبوظبي من علاقتها مع المحتلين إلى مستوى التطبيع العلني.

ولتحزم أمرك في المقارنة بين الموقف التركي وموقف الإمارات من القضية الفلسطينية انظر إلى ردود فعلهما حيال تهويد القدس وصفقة القرن، فالشواهد قائمة على أن أبوظبي (مدعومة من المنتظم العربي المطبع علنا أو خفية كمصر والأردن والسعودية والبحرين) لم تحرك ساكنا تجاه القدس وهي مؤيدة لصفقة القرن، وكيف احتجت الحكومة التركية على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، وكيف عارضت بشدة صفقة القرن بل وهدد أردوغان بأنه لن يسمح بتصفية القضية الفلسطينية، وهو موقف يتماهى فيه مع الجمهور العربي الواسع والأنظمة العربية غير المتخاذلة.

الحقيقة الباهرة اليوم هي أن الأتراك في قطيعة سياسية مع الصهاينة وقد سحبوا سفيرهم من تل أبيب وتم طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة منذ سنوات، فيما تصعد أبوظبي من علاقتها مع المحتلين إلى مستوى التطبيع العلني.

راجع موقف أنقرة ومواقف أبوظبي من قلب المقاومة الفلسطينية اليوم، مدينة غزة المحاصرة، وسيتكشف لك أن الحكومة التركية قدمت الكثير للغزاويين المحاصرين بينما تخلت أبوظبي عنهم. وتذكر أن القطيعة السياسية بين تركيا وإسرائيل إنما وقعت بسبب سفينة مرمرا التركية التي كانت في طريقها للمساهمة في كسر الحصار على غزة.

إن قلت لي إن أردوغان يزايد بالقضية الفلسطينية، أقول: ليت أبناء زايد يزايدون كما يزايد، لكن الحقيقة أن تيارا تطبيعيا يتغلغل في المنتظم الثقافي الإماراتي فيما يتراجع ذلك على الساحة التركية، ويتصاعد صوت الأتراك دفاعا عن القضية الفلسطينية فيما يتراجع الصوت الإماراتي.

لست تركيَّ الهوى، ولن أنفي عن الحكومة التركية البراغماتية والنظرة النفعية والبعد المصلحي في رسم سياساتها، وما تمنيت أن يكون لأنقرة دور بارز في دفع العدوان على طرابلس والذي خططت له أبوظبي وقد اضطرنا لذلك تهور حفتر وعبث حلفائه، وأتمنى من كل قلبي أن تكون الإمارات في مقدمة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية كما كانت زمن الشيخ زايد، لكن الواقع مختلف اليوم وما يفعله أبناء زايد لا يمكن أن يقبله عربي يعتز بعروبته ومسلم غيور على دينه.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version