Menu
in

الألغام والمخلفات المتفجرة للحرب: خطر مميت يقدَّم على كورونا كأولوية تهدد حياة الإنسان

يتكرر المشهد الذي رأيناه في مدينة سرت عام 2016، فهذا هو الأسلوب نفسه الذي انتهجه تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت قبل تحريرها في ديسمبر ذلك العام في ملحمة عملية البنيان المرصوص، وما زالت المدينة تعاني إلى الآن من مخلفات تلك الملحمة، فالألغام والمخلفات المتفجرة لا يزول أثرها عبر السنوات وسيكون من الخطأ الكبير اعتبار أن خطرها قد زال، فهي في طرابلس الآن تشغل منطقة سكانيّة واسعة ومساحات عشوائية شاسعة بدون وجود خرائط لها وهو ما يصعب على الفريق المختص الانتهاء منها في زمن أقرب.

الألغام والمخلفات المتفجرة من الأسلحة التي لها تأثير طويل الأمد على الشعوب بعد انتهاء الحرب بعقود طويلة، ولا ينتهي خطرها بانتهاء الحرب فهي تمنع تطوير المساحات التي زرعت فيها، وفي السيناريو الليبي تمنع نازحي طرابلس من العودة لبيوتهم، هذا الحلم الذي حطمته الألغام والمخلفات المتفجرة.

ما نلاحظه اليوم من المجلس الرئاسي اهتمامه بجائحة كورونا أضعاف اهتمامه بخطر الألغام والمخلفات المتفجرة التي يعدّ خطرها أكبر من كورونا، فمع كل الجهود التي بُذِلت لم يوفَّق الرئاسي في التعامل مع أخطار مخلفات الحرب.

من الحلول التي كان يجب أخذها في عين الاعتبار هو توفير بدل إيجار للنازحين حتى لا يكون الرجوع إلى بيوتهم مصدر ضغط لهم، فهناك من ذاق ويلات الإيجار لأكثر من عام ولا يخفى على الليبيين غلاء أسعار الإيجارات، فنجد العائلات ليس لها حل إلا الرجوع حتى مع وجود هذا الخطر المهلك. أيضا من الملاحظ وجود تقصير واضح في توعية الناس بخطر هذه المخلفات ولا نرى الاهتمام الكافي بالجانب التوعوي المهم من هذه الناحية.

وتشمل أنشطة التوعية بمخاطر الألغام والمخلفات المتفجرة: التعليم والتدريب، وحملات التوعية بمخاطر الألغام في جميع وسائل الإعلام شاملةً منصات مواقع التواصل الإجتماعي، وأخيرا التواصل المجتمعي للأعمال القائمة وهي عملية مهمة تنشأ على تبادل المعلومات بشكل مستمر بين السلطات والموظفين والمواطنين حول مواقع إزالة الألغام والمخلفات المتفجرة والمناطق التي تم تحديدها والأراضي التي تم تطهيرها.

وعند التخطيط للتوعية يجب تتبع المعايير الدولية للأعمال المتعلقة بمخاطر الألغام والمخلفات المتفجرة التي تؤكد أن التوعية من مخاطر الألغام ينبغي أن لا تكون نشاطًا منفصلًا بل هي جزء من التخطيط الشامل للأعمال المتعلقة بالألغام والمخلفات المتفجرة.

أيضا من ضعف الإدارة العامة هو كثرة اللجان التي تسبب التنافس بين المنفذين في الحصول على الدعم مما يجعل القضية ذات حافز تجاري ربحي بدلاً من أن يكون إنسانيا وطنيا، وعدم وجود إدارة أزمات مختصة وأشخاص أكفاء ذوي خبرة يحول دون مواجهة هذه الأزمة بشكل فعّال وسريع.

وأهم مما نراه الآن هو أن معظم الضباط والمهندسين الذين يتصدون لنزع الألغام والمخلفات المتفجرة بحاجة ماسة لرفع وعيهم في كيفية التعامل مع الألغام والمخلفات المتفجرة، كما ينقصهم الكثير من المعدات الوقائية والمساعدة، فالإصابات ليست فقط من المدنيين ولكنها بنسبة كبيرة بين رجال الداخلية، فضمن الإحصائيات التي عملنا عليها وجدنا أن أكثر الإصابات الناتجة عن الألغام هي من الفريق المختص، ونقلا عن المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام على قناة ليبيا الأحرار، فالمجموع الكلّي للضحايا هو 110 ضحية، منهم 39 قد قضوا نحبهم نحسبهم عند اللّه من الشهداء، و 71 ضحية سجلوا إصابات، وتمثل نسبة فرق إزالة الألغام من مهندسين وفنيين حوالي 46% من عدد الضحايا، فيكون الإجمالي 50 ضحية، ومن هذا العدد حوالي 11 قتيلا والباقي إصابات بين حالات عناية فائقة وحالات بتر وجروح بسيطة، وهذا منذ انسحاب قوات حفتر. بعد تجميع هذه الحقائق التي تحتاج إلى تحديث، إذ الواقع أسوء منها بكثير.

فلما لا نرى أحدث المعدات الوقائية والمعدات المساعدة وخططا شاملة من توعية ومساعدات لأهالينا النازحين ونحن الآن في أمس الحاجة إليها؟!

يجب على الرئاسي متابعة الأزمة عن كثب والتأكد من حدوث استجابة كافية للرعاية الصحية، سواء مباشرة (كالرعاية والجراحة الإسعافية) وعلى المدى البعيد (إعادة التأهيل)، ويجب أيضا أن تركز جميع القطاعات انتباهها على النضال ضد الألغام والمخلفات المتفجرة للحرب بإحترافية ومهنية تامة تضمن السلامة للأرواح البشرية.

الدكتور: مصطفى التاغدي

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version