قال مدير المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب بوزارة الدفاع العقيد “محمد الترجمان”، إن نشر بعض صفحات التواصل الاجتماعي مواعيد مزورة لعودة النازحين في هذه الظروف هو من باب دس السم في العسل، من أجل خدمة أجندة خفية.
وفي حوار مطول مع شبكة الرائد الإعلامية، ناشد العقيد “محمد الترجمان” الجهات الأمنية والشرطية منع عودة النازحين؛ حفاظا على أرواحهم حتى تنتهي عملية تنظيف وتفكيك الألغام التي زرعتها مليشيات حفتر في منازلهم قبل فرارها…فإلى نص الحوار:
1 – أعلنت وزارة الداخلية تشكيل فريق عمل مختص للتخلص من مخلفات الحرب والألغام والمتفجرات بالمناطق السكنية والمعسكرات بالمناطق المحررة جنوب العاصمة طرابلس، هل أنتم جزء من هذا الفريق؟
أولاً، وقبل كل شيء، نترحم على أرواح الشهداء وندعو بالشفاء العاجل لجميع الجرحى، والعودة الآمنة لكل النازحين الذين نسأل الله ان يحفظهم ويحفظ جميع الليبيين.
أما فيما يتعلق بالألغام جنوب طرابلس، فالأمر ليس بالسهل، ويفترض أن تكون آلية العمل واضحة من حيث التنظيم، وقد بادرت الآن كل الجهات للمساعدة؛ لحماية المدنيين وإنقاذ أرواحهم.
النازحون نفد صبرهم بعد تحرير مناطقهم جنوب طرابلس ويريدون العودة لمنازلهم، وأشاطرهم في ذلك لأنهم عانوا الأمرّين صيفا وشتاء داخل بيوت غير آمنة وغير مهيأة للسكن، لكننا في المقابل لا نريد أن يكون رجوعهم مصحوباً بالآلام، بل نريده رجوعا مطمئنا لهم.
بادرت وزارة الداخلية ـ كما أسلفتَ ـ وشكلت فرق عمل، كما أن صنوف الهندسة العسكرية بدأت العمل منذ مدة، وقد أصيب زميلنا “فتحي الهوش” أثناء إزالته لغما، وفي هذا الصدد نتمنى السلامة لكل الفرق التي تعمل سواء أكانت متطوعة أم لديها خبرة سابقة، كما أننا نشدد على أن التعامل مع مخلفات الحرب والألغام، لا فرق فيه بين وزارة داخلية أو دفاع؛ لأنه عمل تضامني الهدف منه واحد وهو تأمين العودة الآمنة للسكان.
2 – أنتم اليوم أمام معركة من نوع آخر، هل تقل هذه المعركة خطراً عن الحرب المباشرة التي يكون فيها العدو واضحاً؟
هذه ليست حربا، فهي فاقت مستوى مفردة الحرب، ففي الحرب يكون العدو مباشرا تراه ويراك، لكن العدو هنا خفي يتربص بعابري السبيل أو أي غافل يمر عبر هذا الدرب؛ ليصطادهم، وعادة ما يكون النساء والأطفال هم الأكثر عرضة لذلك فهم الفئة الأكثر ضعفا؛ ولذلك نناشد الجهات الأمنية والشرطية منع كل النازحين من العودة ولو بالقوة؛ حفاظا على أرواحهم، كما أن العودة غير النظامية تسبب إرباكا للفرق العاملة.
3 – هل ذلك ما اضطركم إلى إصدار بيان خلال الأيام الماضية طالبتم فيه المواطنين بعدم العودة لمنازلهم حفاظاً على سلامتهم من خطر الألغام؟
نعم، فقد روجت، ويا للأسف!، بعض صفحات التواصل الاجتماعي أن السبت هو اليوم المحدد للعودة ولاقى ذلك انتشاراً واسعاً، وهذا فخ ودس للسم في العسل، وكلمة حق أريد بها باطل؛ لخدمة أجندة أخرى.
ولذلك نناشد المواطنين النازحين عدم الاستماع للشائعات التي تحرض على العودة، والامتثال للتعليمات الواردة من الجهات المسؤولة عن تنسيق عودتهم.
ونتمنى أن يكون التنسيق كما حدث في سرت حيث كلفت لجان للإشراف على العودة، وقسمت إلى 5 مراحل، وكانت عودة آمنة بالفعل، والحمد لله نجح الأمر آنذاك، فعدد سكان سرت 120 ألفا، نزح منهم 90 ألفا، عاد منهم 85 ألفا في ذلك الوقت دون إصابات تذكر، 3 أو 4 إصابات كانت نتيجة التعامل خطأً مع الذخائر.
4 – ما علاقة زراعة الألغام بالموقف الميداني؟ بمعنى أدق هل يمكن الربط بين من زرع تلك الألغام والموقف الميداني المنهار الذي بدا واضحاً بتقدم قواتنا وسيطرتها على مواقع عدة في غضون ساعات؟
تحصل الانسحابات في الحروب لعدة أسباب، انهيار الجبهة الداخلية أو قطع الامدادات أو غلبة طرف ما والسيطرة الجوية للطرف الآخر كما هو حاصل حالياً، ولذلك يُلجأ إلى أي وسائل لتأمين خط العودة وضمان الانسحاب الآمن.
وعادةً ما يتجه الطرف المنسحب لزراعة خطوط الألغام لعرقلة الطرف المسيطر ومنع تقدمه، كما فعل النظام السابق خلال الثورة الليبية عندما فقد منطقة الدافنية (غرب مصراتة) فزرعت كتائب القذافي الألغام في خمسة خطوط من اتجاه البحر وصولاً لجنوب زليتن، والهدف منها عرقلة تقدم الثوار في ذلك الوقت؛ لتتمكن القوات المعادية من لملمة صفوفها من جديد.
أما ما حصل في هذه الحرب فقد فاق كل تصور، فلو كانت مليشيات حفتر زرعت ألغاماً فحسب لتأمين انسحابها لربما كان أمرا مقبولاً، ولكن أن تلجأ لتفخيخ المنازل فالمراد هنا أمر آخر وهو إيقاع أكبر عدد من الضحايا.
5 – في ذات الصدد، هل رصدتم أي إصابات بين المدنيين الذين فُخخت منازل أغلبهم مع تفخيخ الطرق الرئيسية والفرعية؟
تبين الإحصائيات إصابة اثنين من المدنيين، إضافة إلى عسكريَّيْن مختصَّيْن في الألغام، لكن لا يوجد حتى هذه اللحظة ضحايا بين النساء والأطفال، ونحن على تواصل مع القائمة بأعمال المبعوث الأممي إلى ليبيا “ستيفاني ويليامز” التي طلبت منا قائمة بأسماء ضحايا الألغام لتوثقيها ضمن جرائم حقوق الإنسان؛ لأننا نملك مصداقية في التقارير الذي نُعدّها.
6 – هل تتوقعون الأسوأ في هذا الصدد؟
نتوقع أكثر من ذلك، فما كُشف في المساحات القليلة التي تتراوح بين 7 و 10 كيلومترات، كان عددا “هائلا” من المفخخات والألغام، وليس بغريب أن تقوم مليشيات حفتر ومرتزقته في هذه اللحظات بزراعة ألغام في بقية المناطق التي تسيطر عليها وتفكر في الانسحاب منها.
7 – لم تكن المرة الأولى التي تعملون فيها لإزالة الألغام من مناطق النزاع، ما نوع الألغام التي زرعتها مليشيات حفتر المهزومة؟ وبم تفسرون استخدامها التفخيخ؟ وهل استخدمت بالفعل أسلوب عناصر تنظيم داعش الإرهابي في تفخيخ المنازل والطرقات قبل انسحابها؟
أسلوب التفخيخ الذي تنتهجه مليشيات حفتر خارج عن المألوف؛ فالألغام لها وضعية خاصة، إذ هناك ألغام تعدّ لحدٍّ ما ألغاما عسكرية أو ألغاما دفاعية نظامية يتعامل بها العالم، لكن ما خرج عن المألوف هو استعمال مليشيات حفتر شراكا خداعية وتفخيخات بالكهرباء والتوصيلات، مما يدخل ضمن أسلوب آخر دخل إلينا في 2014 – 2015م وهو الأسلوب الذي انتهجه تنظيم الدولة “داعش” الإرهابي في سرت.
8 – نشرت وسائل التواصل الاجتماعي حملات تضامنية مع شقيقين وافى الأجل أحدهما وفقد الآخر عينيه، نتيجة عدم توفر معدات سلامة للتعامل مع الألغام، ما الإمكانيات المتوفرة لديكم؟ وهل تملكون معدّات تضمن سلامتكم أثناء التعامل مع الألغام التي يكلف الخطأ الواحد معها حياة إنسان؟
الضامن الله تعالى وحده، لكن التعامل مع الألغام يعتمد على الشخص نفسه، فإن كان شخصا يتمتع بكفاءة أو خبرة عالية فالمخاطر أقل، أما الارتجالية والخوف الزائد فلا تجدي نفعًا في التعامل مع الألغام، كما أنه ينبغي أن يتعامل معها شخص واحد لا أكثر ليكون تركيزه منصبًّا على اللغم أكثر من أي شيء آخر.
ومعدات الوقاية لا تجدي نفعاً في نزع الألغام، لكن قد يوفر ارتداء السترات حماية حينما يكون الانفجار خفيفا فحسب.
9 ـ هل ثمة خطر في التعامل مع الألغام باستخدام الروبوتات؟
الروبوتات فعلًا هي الحل الوحيد، وهذا ما توصل إليه العالم، فالروبوتات المتطورة يُتحكم فيها ببرمجيات أو بالأقمار الصناعية، وتتولى التعامل مع الألغام بفكها أو التخلص منها في مكانها، لكن الروبوتات عادة ما تصاب بأعطال، وأحياناً تكون التفخيخات في أماكن ضيقة أو في سلم أو في مكان يصعب على الروبوت الوصول إليه، وهنا تحصل بعض الصعوبات، كما أن الروبوتات تختلف أنواعها بين مجنزرة وأخرى مدولبة، وتكلفتها باهظة الثمن، وتحتاج لصيانة دورية، وليس بالإمكان استخدامها في أماكن بها أتربة.
10 – علمنا أن وحدات الهندسة العسكرية عثرت على وثائق باللغة الروسية مترجمة إلى العربية، تثبت أن الروس كانوا يعلّمون مليشيات حفتر طرق التفخيخ، ما صحة ذلك؟ وما أهمية هذه الوثائق؟
هذه الوثائق تعدّ دليلا، ويجب تسليمها لجهات الاختصاص مثل النائب العام أو وزارة الخارجية أو أي جهة مسؤولة، لتتبع الموضوع واتخاذ إجراءات مناسبة، ولتضاف إلى حجج إثبات التدخل الروسي وتورطه في الشأن الليبي.
11 – أشرت إلى وجود قناة تواصل بينكم وبين الأمم المتحدة، هل زودتموها بملف عن الألغام الروسية التي عثر عليها في مناطق جنوب طرابلس؟
نحن نعمل خطوة بخطوة مع البعثة الأممية، والتواصل الدولي مستمر، وقد طالبت منظمة الأمم المتحدة بإرسال فريق من “هيومن رايتس ووتش” للتوثيق والرصد، لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، كما أننا سنعقد اجتماعا دوليا الأسبوع المقبل عبر الإنترنت لنقل صورة ما يحدث في ليبيا.