Menu
in

الصراع الليبي بين التمدّد الروسي والتحرّك الأمريكي

مثّلت تصريحات قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) تطوّراً في الموقف الأمريكي تجاه الصراع في ليبيا، هذه التصريحات التي أبدت انزعاجاً أمريكياً كبيراً من تنامي الوجود العسكري الروسي في ليبيا، وشغلت هذه التصريحات الحديث السياسي المعني بليبيا، وأثارت كثيراً من التكهّنات حول مستقبل الصراع في ليبيا، والذي تتصاعد وتيرة التدخّل فيه بشكل كبير خارج مظلة الأمم المتحدة.

قد يكون من الصعب تصوّر المشهد القادم في ليبيا وكيف سيكون، ولكن هناك مؤشرات ومعطيات ينبغي الوقوف عندها؛ لأنّها تعطي ملامح -وإن جزئيةً- للمشهد القائم، ومن هذه المؤشرات ارتفاع وتيرة الدعم الدعم الروسي لمليشيات حفتر بعد حالة التقهقر والتراجع الكبير الذي لحقت بها في عدة محاور وعلى عدة جبهات، وهذا الأمر يؤكّد أن روسيا لازالت متمسّكةً بحفتر ولا تريد أن تنكسر قواته أو يخسر كل أوراقه في غرب ليبيا.

قد يَرِد تساؤل هنا: لماذا تراجع مرتزقة فاغنر الموجودون في محاور جنوب طرابلس والوطية إذا كانت روسيا لا تريد انكسار حفتر؟ ربما لا يوجد إجابة مؤكّدة لهذا التساؤل، ولكن يدرك الروس وغيرهم أن اقتحام العاصمة طرابلس والسيطرة عليها أصبح في حكم المستحيل بالنسبة لمليشيات حفتر، وأن إستراتيجية قطع خطوط الإمداد التي نفّذها سلاج جو الوفاق المسنودة بالدعم التركي جعلت وضع هذه المليشيات حرِجاً، ونفس الأمر ينطبق على قاعدة الوطية التي كانت محاصرة، والتي مثّل الانسحاب منها الخيار الأقل ضرراً، ويبدو أن الروس يسعون لإعادة رسم أهداف المعركة من جديد، والتي لن يكون من ضمنها السيطرة على العاصمة طرابلس واقتحامها. في هذا السياق لا يمكن إغفال الحرص الروسي على أن يبقى دعمها العسكري غير رسمي، وهي تدفع حالياً باتجاه دعم مبادرة “عقيلة صالح” كما جاء في بيان الخارجية الروسية عقب اتصال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعقيلة صالح، ومبادرة “عقيلة” ذات نَفَس تقسيمي قائمة على التقسيم التاريخي الأقاليم الثلاثة.

يمكن القول إن الدور الروسي أصبح متقدماً جداً، ولعلّ دور الداعمين الإقليميين لحفتر خاصةً مصر والإمارات سيصبح ثانوياً من حيث التأثير بالنسبة لهذا الدور الذي سيسعى إلى المحافظة على أوراق حفتر العسكرية، ويدفع بمبادرة لتكون بديلاً عن مخرجات مؤتمر برلين، وهذا الدور قد يجعل الاتحاد الأوروبي في وضع معقّد جداً، وتصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حول تخوفه من تحول الصراع الليبي إلى ما يشبه الصراع السوري، هو تخوّف من فقدان أوروبا بشكل كامل لأي دور في هذا الصراع كما حدث في سوريا التي أصبحت روسيا وتركيا أهم لاعبَين فيه.

الأوروبيون يدركون جيداً أن من أهم أهداف الوجود الروسي في ليبيا الضغط عليهم في ملف شرق أوكرانيا الذي تدعم روسيا فيه انفصاليين يريدون الانضمام إلى الاتحاد الروسي بعد ما ضمّت روسيا إليها شبه جزيرة القرم، وهو ما يجعل الأمن القومي الأوروبي على المحكّ، ووجود روسيا في جنوب المتوسّط سيضعف الوضع التفاوضي للأوروبيين، ويزيد من النفوذ الروسي ولعبها دوراً دولياً أكبر في ظل مرور الاتحاد الأوروبي بأسوأ حالاته، والتي عكسها فشله في مواجهة جائحة كورونا كتكتّل متماسك، وأكّدها فشله في التوافق حول عملية “إيريني” التي تمرّ بصعوبات في التمويل كما صرّح مسؤول السياسية الخارجية الأوروبية.

ويبدو أن الموقف الأوروبي سيبقى مرتبكاً بسبب رفض فرنسا ومن ورائها اليونان التعاطيَ بشكل إيجابي مع الدور التركي الذي أصبح واقعاً لا يمكن تجاوزه في ليبيا، وهو ما يجعل أي دور للاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو محدوداً أو غير مؤثّر. هذه المعطيات تجعل واشنطن تتحرّك في الصراع الليبي من خلال دعم تركيا لاحتواء التمدّد الروسي، إلى جانب الاستعانة بحلف الناتو لتقديم دعم -على الأغلب لوجستياً- إلى حكومة الوفاق، ومن المستبعد أن يحدث أي تدخل مباشر من واشنطن، وهو ما سيدفعها ربّما لزيادة الضغط من أجل تحريك العملية السياسية.

وفي ظلّ ارتفاع وتيرة هذا الصراع وانكماش الدور الأممي فيه بشكل ملحوظ، فإن حكومة الوفاق مطالبة بأمرين: أوّلهما: تحديد أهدافها الاستراتيجية من عملياتها العسكرية، والعمل على سرعة تحقيقها بما يضمن لها موقفاً سياسيا على الأرض، ويعطيها تفوّقاً تفاوضياً في أيّة عملية سياسية، ومن أهم هذه الأهداف تحرير كامل الغرب الليبي، وكذلك المنشآت النفطية، إضافة استرجاع قاعدة الجفرة العسكرية.

والآخر: تقوية الشراكة مع الحليف التركي، وتطويرها من خلال برامج اقتصادية تنموية، وهذا بلا شك يحتاج إلى إصلاح حكومي يبدو أن المجلس يصرّ على عدم انتهاجه، إضافة إلى ضرورة أن يعدّ مجلس النواب المنعقد في طرابلس والمجلس الأعلى للدولة رؤية موحّدة للحلّ السياسي الذي بات واضحاً أن الإسراع به هو الأقرب لإنهاء حالة التنافس الدولي التي وصلت أشد مستوياتها.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version