بعد أن بدأت بعض دول العالم في تخفيف إجراءات الحجر الصحي والإغلاقات التي فرضتها للسيطرة على وباء فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 وصلت أخبار سيئة من “مسقط رأس” الفيروس، ووهان في الصين، إذ سجلت إصابات جديدة لأول مرة منذ أكثر من شهر، فهل سيواجه العالم انتكاسة في التصدي للوباء؟
ومع أن العالم يواصل عودته البطيئة إلى الحياة الطبيعية رغم أن تفشي فيروس كورونا المستجد لم يتوقف بعد، دعت منظمة الصحة العالمية إلى “اليقظة التامة” في التعامل مع رفع قيود العزل.
ونبدأ من مدينة ووهان -التي بدأ منها تفشي فيروس كورونا المستجد نهاية العام الماضي من سوق للحيوانات- حيث أعلنت المدينة الأحد والاثنين عن ست إصابات جديدة، الأولى في المدينة منذ أكثر من شهر، وقالت السلطات المحلية إن كل الحالات الجديدة هي من نفس المجمع السكني، ومعظم المصابين من المسنين في حي دونزيهوتشو.
وفي 23 يناير/كانون الثاني الماضي تم عزل ووهان، ورفعت التدابير في 8 أبريل/نيسان الماضي بعد الانخفاض الكبير في انتشار العدوى.
وتنوي ووهان فحص جميع سكانها، في حين تثير الحالات الجديدة مخاوف من عودة انتشار العدوى حسبما ذكرت وسائل إعلام اليوم الثلاثاء.
ونشرت صحيفة “ذي بيبر” الإلكترونية تعميما صادرا عن البلدية يمنح كل منطقة من مقاطعات المدينة الـ13 -التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة- مهلة عشرة أيام لتهيئة فحص سكانها
تخفيف الإجراءات
وفي روسيا، قال الرئيس فلاديمير بوتين أمس الاثنين إن البلاد ستبدأ بالتدريج في تخفيف إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا اعتبارا من اليوم الثلاثاء، موضحا أن كل منطقة ستحتاج لصياغة نهجها الخاص وفقا للظروف المحلية المتغيرة.
ولا تزال العاصمة الروسية موسكو كما مناطق أخرى في العالم خاضعة لعزل عام، في حين بدأت مناطق أخرى في البلاد خروجا تدريجيا و”دقيقا جدا” من القيود، وفق ما قال بوتين.
في الأثناء، سمحت سنغافورة اليوم الثلاثاء بفتح بعض المتاجر والأعمال التجارية مثل صالونات تصفيف الشعر، ومن المقرر أن يبدأ رفع العزل في ولاية نيويورك الأميركية اعتبارا من الجمعة باستثناء مدينة نيويورك.
وفي إسبانيا، قوبل رفع القيود أمس الاثنين بارتياح في أوساط السكان الذين تمكنوا من العودة إلى الحانات وسط إجراءات صحية مشددة.
وفي أوكرانيا أيضا، تم فتح المطاعم وسط تدابير وقائية مشددة يشكك البعض بمدى فاعليتها، وقال جيورجي موسلياني في أحد مقاهي كييف “كيف سينقذنا هذا القناع؟ لن ينقذنا”.
وفي المملكة
المتحدة، قوبلت خطة رئيس الوزراء بوريس جونسون لرفع العزل بكثير من الانتقادات،
وأكدت نقابة المعلمين أن أساتذة المدارس يعارضون الحديث عن العودة إلى استئناف
الدروس “ما لم يكن ذلك آمنا فعلا”
وفي النرويج، إحدى أولى الدول الأوروبية التي أعادت التلاميذ إلى الصفوف، تبين أن
هذا التدبير لم يسهم في زيادة انتشار الوباء، وسيعود التلاميذ الأكبر سنا أيضا إلى
مدارسهم خلال هذا الأسبوع.
ولا تزال دول أخرى مثل تركيا مترددة في تخفيف القيود، حيث فرض الرئيس رجب طيب أردوغان أربعة أيام من العزل اعتبارا من السبت وحتى الثلاثاء، لكن صالونات تصفيف الشعر والمراكز التجارية بدأت بفتح أبوابها.
ومع دعوته للحذر في كل الأوقات، قال أردوغان “أمامنا أمثلة من كافة أنحاء العالم تبين كيف أن التهاون قد يؤدي إلى كوارث كبرى”.
تقدم أعمى
ولكن تخفيف العزل هذا قد يحمل خطر حدوث انتكاسة في السيطرة على تفشي الوباء. وفي الواقع، تحث تجربة أولى الدول الآسيوية التي شهدت تفشيا للوباء على الكثير من الحذر، فرغم تعبئتها واستخدامها وسائل متطورة واسعة النطاق من أجل تتبع الفيروس والتدابير الوقائية التي اتبعها السكان بدقة فإن مدينة ووهان سجلت إصابات جديدة.
أما كوريا الجنوبية فتكافح بؤرة جديدة للوباء انطلقت من شاب يبلغ من العمر 29 عاما زار عدة حانات وملاه ليلية.
وحذرت إيران الاثنين من انتكاسة في جهودها لاحتواء فيروس كورونا ما لم يتم الالتزام بالقواعد الصحية بشكل أكبر، وباتت محافظة خوزستان البؤرة الجديدة لتفشي كوفيد-19 في إيران، بينما أعادت السلطات فرض تدابير صارمة لوقف انتشاره.
وقال علي رضا
رئيسي نائب وزير الصحة في تصريحات متلفزة “تعرضنا لانتكاسة في خوزستان بسبب
عدم التزام (السكان) بقواعد الصحة”.
وأضاف “قد يحصل ذلك في أي محافظة أخرى ما لم نتوخ الحذر”، مشيرا إلى أنه
قد يعاد فرض إجراءات أكثر تشددا في مناطق أخرى إذا استدعى الأمر.
من جهته، شدد مسؤول الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية مايكل راين خلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو على أن “اليقظة التامة ضرورية”.
واعتبر أن “بعض الدول” -لم يسمها- اختارت “إغلاق عينيها والتقدم بشكل أعمى” نحو رفع العزل، دون أن تحدد بؤر الوباء أو أن تحضر إمكانيات طبية كافية.
ويخشى بعض الخبراء من أن التسرع في تخفيف إجراءات العزل -خاصة مع عدم توصل العلماء إلى لقاح ولا علاج لمرض كوفيد-19 سيعطي شعورا زائفا بالأمان ويؤدي إلى انتشار العدوى بصورة تشكل ضغطا على الأنظمة الصحية وتقود إلى المزيد من الإصابات والوفيات.
مخاوف جدية
هذه المخاوف ليست غائبة عن العديد من القادة والمسؤولين، ففي ألمانيا ناشدت المستشارة أنجيلا ميركل المواطنين مجددا اتخاذ الحذر في ظل استمرار أزمة جائحة كورونا، وذلك عقب خروج مظاهرات ضد القيود المفروضة على الحياة العامة للحد من تفشي العدوى.
وحسبما علمت وكالة الأنباء الألمانية من مصادر مشاركة في مؤتمر عبر الفيديو لقيادة الحزب المسيحي الديمقراطي، قالت ميركل إنها اطلعت على تقارير تفيد بأن الكثير من المواطنين ذهبوا للتسوق مطلع هذا الأسبوع بدون ارتداء كمامات، معتبرة ذلك جرأة في التصرف، مضيفة أنه لا يزال يتعين الالتزام بقواعد المسافة الاجتماعية السارية.
ونقلت صحيفة
بيلد الألمانية عن ميركل قولها أمس الاثنين “نحن في مرحلة جديدة من انتشار
الوباء.. مع كل إجراءات التخفيف نحن بحاجة إلى التأكد من التزام الناس بقواعد
السلامة الأساسية، والمقصود هنا التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات ومراعاة بعضنا
البعض، هذا مهم جدا”.
وذكرت ميركل أنه في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع سيتضح مدى تأثير تخفيف الإجراءات
الذي تم إقراره الأسبوع الماضي على عدد الإصابات.
من جانبه، أكد وزير الصحة ينس شبان خلال المؤتمر أن ألمانيا نجحت حتى الآن في التعامل مع الجائحة، لأن المواطنين التزموا بالقيود، مطالبا المواطنين بالاستمرار في الالتزام بمعايير السلامة الصحية.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مدير المعهد الوطني لأمراض الحساسية الطبيب أنتوني فاوتشي سيدلي اليوم الثلاثاء بإفادة أمام مجلس الشيوخ الأميركي يحذر فيها من مخاطر إعادة فتح الاقتصاد قبل الأوان، ويقول إنها قد تؤدي لمعاناة ووفيات “بلا داع”.
ونقلت الصحيفة عن الطبيب فاوتشي قوله في رسالة بالبريد الإلكتروني “إذا تجاوزنا بنودا في الإرشادات لفتح أميركا مجددا فنحن نخاطر بحدوث موجات تفش متعددة في جميع أنحاء البلاد”.
وأضاف “لن يؤدي ذلك إلى معاناة ووفيات بلا داع فحسب، بل سيؤدي لانتكاسة في مساعينا لعودة الأمور إلى طبيعتها”.
ونسبت الصحيفة إلى فاوتشي قوله في وقت متأخر الاثنين إن خطر محاولة فتح الاقتصاد قبل الأوان هو الرسالة الأساسية التي يود أن يبلغها للجنة الصحة والتعليم والعمالة والمعاشات في مجلس الشيوخ خلال اجتماع اليوم الثلاثاء.
انتظار
وفي فرنسا، أكد وزير الصحة أنه يتعين على سكان باريس الانتظار لفترة أخرى قبل أن يتمكنوا من الاستمتاع بالمساحات الخضراء في المدينة، وذلك رغم انتهاء الإغلاق الذي فرض لمنع تفشي فيروس كورونا أمس الاثنين.
ورفض وزير الصحة الفرنسي أوليفر فيران اليوم مناشدة من عمدة العاصمة آن هيدالجو للسماح للمواطنين بدخول المتنزهات والحدائق، في واحدة من أكثر المدن الأوروبية اكتظاظا بالسكان.
وقال فيران في تصريحات تلفزيونية “الأمر لا يعني أننا لا نريد أن يتمكن الناس من الخروج وتنفس الهواء النقي، ولكن لأنه قد يكون مغريا للغاية، مع وجود الشمس التي نراها اليوم أن تتجمع أعداد كبيرة من الناس”.
المصدر _ الجزيرة