Menu
in

تداعيات انهيار أسواق النفط على الأزمة الليبية

لم يكن من المتوقع أن يكون لوباء كورونا هذا الأثر الكبير في تغيير نمط الحياة البشرية، وقلب أولويات حكومات الدول، وإحداث أضرار بالغة في الاقتصاد العالمي، كشفت مدى هشاشة المنظومة الدولية، وأظهرت زيف كثير من القيم والمبادئ التي تستتر بها الدول العظمى والتكتلات الإقليمية والدولية.

وباء كورونا الذي أصبح جائحةً طالت كلّ شيء تقريباً في كوكبنا، كان من آخر تداعياته انهيار سوق النفط العالمي، الذي تدنّى إلى مستويات تاريخية، وصارت هذه السلعة -التي كانت يوماً ما تسمّى “الذهب الأسود”- عبئاً على منتجيها وعلى الاقتصادات التي تعتمد عليها بسبب انهيار الأسعار وتراجع الطلب العالمي الناتج عن الإغلاق التام أو الجزئي في أغلب دول العالم.

وما يهمنا في هذه الأسطر هو محاولة تلمّس آثار هذا الوضع العالمي الجديد على ليبيا وما تعانيه من صراع، فهي إحدى الدول المصدّرة للنفط والمعتمدة في إنتاجها عليه، كما أن صراعها الحالي يمثّل في جزء كبير منه تنافساً دولياً وإقليمياً على النفوذ والمصالح، ولا شكّ أن جائحة كورونا ستغيّر كثيراً من معادلات السياسة الدولية، إن لم يكن بشكل كلي فبشكل جزئيٍ ستظهر آثاره سريعاً، ولن تكون ليبيا في منأىً عن هذا التحوّل والتغيير.

يمكن القول: إن انهيار أسواق النفط الحالي لم يؤثر على ليبيا داخلياً بشكل كبير؛ نتيجة حالة الإغلاق التي تفرضها مليشيات حفتر على أغلب منشآت وموانئ النفط في ليبيا، ولكن انهيار السوق وما سيتبعه من فترة طويلة للتعافي قدّرتها بعض المؤسسات الدولية بمنتصف 2021، يستوجب استجابة فورية من حكومة الوفاق، وإعداد خطة إنقاذ اقتصادي تقلّل من تداعيات هذه الأزمة على المواطن بالدرجة الأولى، والذي أصبح في حالة من الضغط لا تتحمل أزمة جديدة، ويجدر الإشارة إلى أن طريقة تعاطي المصرف المركزي مع الإغلاق النفطي وتعمّده عرقلة السلطة التنفيذية، سيؤدي إلى انهيار الدولة بسبب عقلية الابتزاز المسيطرة على محافظ المصرف الصديق الكبير، والتي تنال من المواطن وقوته بشكل مباشر.

ولعلّ تحرّك مجلسيْ النواب والأعلى للدولة في اتجاه إحداث إصلاحات على إدارة المصرف المركزي، ودعم المجلس الرئاسي وحكومته والمساهمة في تقديم خطة اقتصادية تقوم على الحدّ من الفساد والتقليل من الإنفاق الإداري لمؤسسات الدولة، سيكون له دور مهم في تقليل تداعيات هذه الأزمة على المواطن.

هذا فيما يخصّ تأثير هذا الانهيار داخلياً، أما بالنسبة لأثره خارجياً فربما يكون أكثر إيجابيةً، إذ من المتوقع أن تتراجع حدّة التنافس الدولي على الموارد النفطية حالياً، وهو ما سيجعل الملف الليبي أقلّ إغراءً، خاصّة لدول الاتحاد أوروبي التي تعاني من تصدّع في سياستها الخارجية واهتزاز ثقتها في منظومة الاتحاد، بسبب فشلها في مجابهة جائحة كورونا، وهو ما انعكس في تصريح مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل بعجز عملية “إيريني” عن القيام بمهامها بسبب قلة الإمكانات التي لم توفرها الدول الأعضاء.

أيضاً من المرجّح أن يتراجع دعم الإمارات والسعودية ومصر لحفتر، خاصة الدعم المالي والمادي الذي توفره الإمارات والسعودية، فالدولتان تضررتا بشكل مباشر من انهيار أسواق النفط، وهناك تسجيل لمعدلات عجز غير مسبوقة في موازناتهما العامة، مما يجعل استجابتهما للمطالبة بتقليل الإنفاق خاصة الإنفاق العسكري أمراً مؤكداً.

هذه العوامل ستتيح لتركيا الحليف الاستراتيجي لحكومة الوفاق دوراً أكثر فاعليةً وتأثيراً في ليبيا، وهو ما يستوجب مبادرةً وتفاعلاً من حكومة الوفاق، إضافة إلى ضرورة انفتاح الوفاق على أطراف دولية أخرى في مقدمتها الولايات المتحدة، فما تمثله ليبيا من فرصة استثمارية هائلة سيجعلها بيئة خصبة لتعويض كثير من الدول خسائرها في الأزمة الحالية، وهو ما سينتج خطوات جادة نحو إحداث استقرار دائم في ليبيا.

“ما يهمنا هو محاولة تلمّس آثار هذا الوضع العالمي الجديد على ليبيا وما تعانيه من صراع، فهي إحدى الدول المصدّرة للنفط والمعتمدة في إنتاجها عليه، كما أن صراعها الحالي يمثّل في جزء كبير منه تنافساً دولياً وإقليمياً على النفوذ والمصالح، ولا شكّ أن جائحة كورونا ستغيّر كثيراً من معادلات السياسة الدولية، إن لم يكن بشكل كلي فبشكل جزئيٍ ستظهر آثاره سريعاً، ولن تكون ليبيا في منأىً عن هذا التحوّل والتغيير”.

الكاتب الليبي: علي أبوزيد

أُترك رد

Exit mobile version