Menu
in

جوائح التفكير في الأزمات والمحن

يتصدّر معظمُ الناس بعواطفهم الجيَّاشة في التعبير عن حبهم لإقامة شعائر الدّين، بعيدا عن مقتضى العلم الصحيح المبني على القواعد القطعية والتواتر المعنوي بالاستقراء التام في حفظ الكليات الخمس.

كما يتصدّرُ آخرون للتعبير عن عدائهم لمن صدرت عنه أوامرُ بتعليق مؤقَّت واحترازي للجمعة والجماعات حفظاً للنفوس من التلف والهلاك وللأموال من الهدر المنتظر فيما لو اقتحم الوباءُ بلدنا الحبيب.

وبغض النظر عن إصابته للحق أو انحرافه عنه جريا مع الكساد القاتل التي تعيشه المجموعات المتفرقة الأهواء والمشارب!! فإن ما صدر بالخصوص في هذه الجائحة من ولاة الأمر وممن يتبعونهم في الإدارات والمؤسسات المختصّة ليعكسُ للناس مرونة الشريعة وأنها وضعت ابتداء لسعادة العباد في الدارين، وهي حتما ليست شريعةً منفصمة عن القضايا الإنسانية، ولا تتقاطع أبدا مع الفطرة التي خلقها الله في نفوس العباد جميعا من حب الحياة والخوف من المجهول(فلا يورد ممرِضٌ على مصح)(وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد) بعد الاعتقاد الجازم بأن لا شيءَ يخرج عن قضاء الله وقدره ووفق علمه وحكمته.

وأما الأسباب الجعلية فهي تلك القوانين التي أثبتها اللهُ تعالى لانتظام الكونِ وأمر عباده بالسير عليها، فالخروج عنها خروج عن منهج الله وسننه في خلقه وكونه، وكل ذلك من أقدار الله. (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى).

الزمن لا يحتملُ الكوارث التي تجلبها العاطفة المتشحةُ بالجهل، ولا أنَّ الوقت يسمح للخصماء السياسيين بتصفية حساباتهم، بل ولا يسمحُ كذلك لحملة السّلاح أن يتقاتلوا والموتُ يحيطُ بالإنسان أيا كان دينُه، وأيًّا كانت توجهاته!! القيم الإنسانية قيمٌ تتخطَّى كلَّ الاعتبارات وتجاهلُها انحرافٌ عن الفطرة واستمساكٌ بشعائر العنصرية التي تمقتها كل الأديان .. إننا نرسم بعواطفنا وعاهاتنا تشوّهاتٍ كثيرةً وتخيّلات بعيدةً نصطنعها تحت مؤثّرات مختلفة ومبررات مزيَّفة ثم نُلصقُها بهذا الدين العظيم دينِ الرحمة والإنسانية، ودين العفو والسّعة والمرونة، وكذلك نشوه بعداءاتنا السّطحية الساذجة معالمَ الحق، ونطمس برؤيتنا الضيّقة المتخلفة ولو في مثل هذا الظّرف الماحق للجميع محاسنَ الآخَرين.

والواجب شرعا ووضعاً السماع لولاة الأمر والمسؤولين بغض النّظر عن أشخاصهم وأفكارهم والنفير المطلق لمجابهة هذا الوباء والأخذ بالاحترازات اللازمة، وترك المجاملة الاجتماعية والإغلاق الكامل والشامل لكل المرافق والتجمعات غير الضرورية ووفق قاعدة(التخطيط للأسوأ والعمل للأفضل)وتكثيف حملات التوجيه والتوعية وخلق التناغم التام بين كل المؤسسات لإدارة الأزمة باقتدار وإلا كان الفشل بإهدار الجهد والمال والوقت والحياة نتيجةً محتومة!!.

متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَه ****إذا كنتَ تبنيه وغيرُك يهدمُ وعلى من لا قدرة له على تقدير الموقف الشرعي حق قدره تأصيلا وتنزيلا الصمتُ والانزواء وعدم الجري وراء العواطف المفلسة، والأنفس المريضة، أو السمسرة الحزبية والمذهبية والفكرية على حساب أرواح المسلمين؛ فليس هناك وقت لذلك! وعلى كل من يسهمُ في عرقلة حماية المهج والأنفس من بسطاء الناس بمجرد مشاعره الجياشة أن يعلم أنه مسؤول عن جرأته على الفتيا، وتهوّكه بأمور ليس له فيها خطام ولا زمام! .

كم هو محزنٌ للقلب ومؤلم للنفس وأنت تسمع أو تقرأ تلك الخطابات اللاذعة المملوءة بالشماتة في الإنسانية التي تصارع الوباء وتهلك على يديه بالآلاف ثم تجده يلهث وراء ما أنتجته تلك الأيدي من الطعام والدواء والصناعة وغيرها مما نحن فيه عالةٌ على تلك الشعوب المنتجة والحيّة والمسالمة والقائمة إنه الجهل الفظيع، والحُمق الأهوج، والأميَّة القاتلة، والعواطف الخالية من كل معاني الحب والمشاعر الخيّرة (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)!! يكفينا ما نظهره للعالم من مظاهر الخوف والقتل والشرور وما نمارسه في العلَن بأيدينا من ثقافة الموت والغزو والغنيمة والثأر والتي لا صلة لها بالإسلام.

فالأمرُ محسوم بما يستجليه ولاة الأمر ومرهونٌ بما نحمله من مثاقفة التساؤل، وما نستوعبُه من فقه الواقع، وما نملكُه من مساحات الوعي والتجرّد! حفظ الله ليبيا وكل العالم من شر هذا الوباء.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version