in

ما وراء التحركات الفرنسية الأخيرة؟

مخرجات مؤتمر برلين التي كانت نتيجة تحرّك أوروبي متعجّل لاستعادة زمام إدارة الملف الليبي دوليّاً كانت نتيجتُه تعثّر مساراته الثلاث التي اقترحها المبعوث الأممي غسّان سلامة لتفعيل هذه المخرجات، والذي لم يجدْ بُدّاً فيما بعد إلا طلب إعفائه من هذه المهمّة التي في أحسن الأحوال ستكون شاقّةً وطويلةً في ظلّ انقسام دولي حادّ بشأنها، وغياب الدعم الجادّ له في الدفع بمسارات الحوار إلى الأمام.

استقالة سلامة من مهامّه أتاحت حالة من الفتور في عمل البعثة الأممية، وهو ما وفّر هامش تحرّك أوسع للدول المعنية بليبيا تعمل فيه بشكل منفرد، ويبدو أن فرنسا كانت الأسبق للتحرّك في هذا الاتجاه، حيثُ تعلن أن تحركاتها محاولة لأحياء مخرجات برلين، ساعيةً إلى تحقيق تقدّم خارج نطاق المسارات التي اختطها المبعوث السابق غسّان سلامة لمخرجات برلين.

اللافت أن الفرنسيين باتوا أكثر وضوحاً في تعاطيهم مع الملف الليبي، فمصالحهم المتعلقة بقطاع النفط والطاقة هي البوصلة التي تحدد وجهة السياسية الفرنسية تجاه ليبيا، في ظل اطمئنانها إلى التعاون الوثيق فيما يخص ملف مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية مع حكومة الوفاق.

فشل حفتر في اقتحام العاصمة طرابلس، وصعوبة سيطرته عليها في ظلّ التعاون التركي الكبير مع حكومة الوفاق، وحالة الاستنزاف الواضحة لقوات حفتر وتحييد سلاحه الجوي من المعركة، كل هذا جعل معادلة الصراع تتغير، وأصبح ملف تقسيم عوائد النفط هو الورقة الوحيدة التي يملكها حفتر ليبتزّ بها الليبيين، وليس حكومة الوفاق فقط.

فرنسا لازالت تريد الإبقاء على حفتر في المشهد السياسي، وذلك لأنه هو من يسيطر على أغلب موانئ ومنشآت النفط، والتي أُغلقت بإيعازٍ منه وهو ما نتج عنه تضرر عملاق الطاقة الفرنسي (توتال) المشغل صاحب الحصة الأكبر في الهلال النفطي، كما أن تخلّيها عن حفتر سيضعها في حالة توتّر مع أكبر زبائن السلاح الفرنسي وهي الدول الداعمة لحفتر وفي مقدمتها الإمارات والسعودية، لذلك فإنها تسعى إلى الضغط على حفتر بتوقيع وقف إطلاق النار الذي سيكون برعايتها مع ألمانيا، وهو ما يمثل عودة حقيقية لسياسية أوروبية موحّدة تجاه ليبيا.

كما أن اقتراح فرنسا تقسيم عوائد النفط دون مرورها عبر مصرف ليبيا المركزي هو محاولة لفتح مجال للتفاوض حول مسألة الإغلاق النفطي وجرّ حفتر إليه، وليس المقصود منه التفاوض بشأن تقسيم العوائد بهذه الآلية.

انفتاح حكومة الوفاق على التحرّك الفرنسي، وتعاطيها معه أمر مهمّ وجيد؛ لأنها ملزَمة بمعالجة الأزمة الناتجة عن إغلاق المنشآت النفطية في ظل وضع اقتصادي هشّ، ولكن ينبغي أن يكونَ تعاطيها مع فرنسا حذراً ومدروساً، وأعتقد أنه من المهم ضغطها باتجاه التأكيد على أن العدوان على العاصمة طرابلس كان عملاً غير مبرر بعد ما بات واضحاً أن تقسيم العوائد النفطية هو هدف حفتر وليس تحرير العاصمة كما يدّعي.

أيضاً فإن توجّه وزير الداخلية فتحي باشاغا إلى المملكة المتحدة وتحفيزها على الانخراط في الملف الليبي بأكثر فاعلية قد جاء في توقيته المناسب؛ لأنه سيكون عامل اتّزان مهم في التحرّك الدولي إزاء ليبيا، وسيكبح من جماح السياسة الأوروبية التي تقودها فرنسا للتفرد بالملف الليبي بعد ضمور التحركات الإيطالية التي كانت منافسةً لها.

وزير الدولة البريطاني المكلف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا يؤكد على مستقبل ليبيا البعيد عن حكم الفرد

وزارة التعليم: لا تعليق للدراسة في المؤسسات التعليمية كافة بسبب كورونا