Menu
in

الترتيبات المالية في ظل إغلاق النفط.. خيارات للتعامل مع الأزمة

يُدرك الجميع أن الميزانية العامة للدولة الليبية تعتمد بنسبة 95% على صادرات النفط ويكاد نصفها يذهب إلى بند المرتبات التي لا تزال ترهق خزانة الدولة، حيث تخصص ما قيمته 23 مليار دينار تقريبا لمرتبات العاملين في القطاع العام الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون.

وكما هو معلوم فإن إغلاق الموانئ النفطية من قبل موالون “للقائد العام للقوات المسلحة” خليفة حفتر بحجة عدم التوزيع العادل للثروة وأن الأموال تذهب لما أسموه المليشيات ـ يؤثر سلبا على الاقتصاد الليبي بشكل عام، ولكنه هذه المرة أربك وضع الترتيبات المالية للسنة المالية الحالية وخلق نوعا من السجال بين المصرف المركزي وحكومة الوفاق بشأن قيمة الموازنة.

صحيح أن المجلس الرئاسي أعلن اعتماد الترتيبات المالية للعام الحالي، لكنه لم يفصح عن قيمتها، وهذا ما يضع علامات استفهام وتساؤلات عدة عن سبب عدم إعلان قيمة الترتيبات المالية وبنودها؟

وهذا ما يكشف عن تخبط واضح في تحديد قيمة الترتيبات المالية لهذا العام، ويبدو أن الرئاسي أعلن اعتماد هذه الترتيبات لتيسير بعض الاحتياجات الخاصة بالمواطن كالمرتبات.

وبحسب مصدر مطلع من المصرف المركزي أخبرني بأن السجال الحاصل بين الرئاسي والمركزي يكمن في تغيير سعر صرف الدينار الليبي من 3.60 وهو سعره الحالي إلى 4.20 دنانير أي زيادة نسبة الضريبة على النقد الأجنبي، وهو إجراء يريد فرضه المركزي لمواجهة الأزمة الحالية التي تسبب بها إغلاق النفط، وضمان عدم المساس باحتياطي الدولة مع الأخذ في الاعتبار تقليص قيمة الموازنة.

المجلس الرئاسي قابل هذا المقترح بالرفض؛ لأنه يرى أن أي ارتفاع في سعر الصرف سيفاقم الوضع المعيشي للمواطن، وهذا ما لا يخدم مصالحه في الوقت التي تشهد فيه العاصمة طرابلس حربا شرسة تستهدف الرئاسي وحكومته، ومن الطبيعي أن يرفض الرئاسي هذا المقترح فهو يريد كسب الشارع وتجنب غضبه.

ولو نظرنا نظرة اقتصادية إلى الوضع الحالي، وكيفية تجنب حدوث كارثة اقتصادية في البلاد، واتخاذ خطوات استباقية تقي الاقتصاد وتجنبه الاهتزاز وتمكن الرئاسي من اعتماد الترتيبات المالية بقيمة تتجاوز 35 مليار دينار في ظل إغلاق مورد النفط الذي تتكئ عليه الموازنة بكل كاهلها ـ فعلى الرئاسي أخذ مقترح المركزي في عين الاعتبار ودراسته دراسة جيدة خاصة أنه لا يملك حتى الآن فتح الموانئ النفطية التي ستترتب على استمرار إغلاقها أزمة كبيرة قد تعصف بالاقتصاد.

أتوقع أن ما طرحه المركزي من تغيير لسعر الصرف هو خطوة استباقية مناسبة لمجابهة المساس بالاحتياطي، وتسيير الترتيبات المالية للعام الحالي، وربما حتى للعام القادم، لكني لا أتوقع أن الرئاسي الذي يواجه موقفا صعبا ولا يريد أن يظهر عاجزا أمام الشعب ـ لن يقبل زيادة الضريبة على النقد الأجنبي بهذا الصورة المطروحة من المركزي؛ لضعف رؤيته الاقتصادية ونظره إلى المقترح من جانب سياسي بحت وخوفه من أن يسهم في تفاقم الوضع ضده وضد الحكومة.

فنحن حتى الآن لم نرَ أي مؤتمر صحفي أو ندوة توعوية من مخاطر إغلاق النفط قام بها المجلس الرئاسي أو حكومته، ولا أي تحركات دولية منه تجاه استمرار الإغلاق والمخاطر التي قد تؤدي إليها، إذ يبدو أنه غير مبالٍ أو أنه ما زال لم يدرك حجم الخسائر اليومية للخزانة العامة نتيجة الإغلاقات والمآلات التي قد يؤدي إليها إغلاق الحقول والموانئ النفطية.

أرى أن الحل في هذا الوضع الصعب الذي تمر به البلاد من حرب قد تأكل الأخضر واليابس، ومخاوف الرئاسي من شبح التنحي من السلطة؛ بسبب غضب الشعب ـ هو وضع دراسة جيدة للترتيبات المالية وتشكيل لجنة تدرس زيادة الضريبة على النقد الأجنبي وتعديل سعر صرف الدينار، الذي من المناسب في تقديري أن يكون 4.10 دنانير.

هذا السعر سيمكّن المصرف المركزي من صرف الترتيبات المالية وفتح الاعتمادات وتغطية المحروقات دون المساس بالاحتياطي لو اعتبرنا أن دخل العام للدولة العام الماضي فاق 18 مليار دولار، ويمكنه من وضع دراسة لترتيبات مالية للعام القادم، أي بافتراض أن المرتبات هذا العام بلغت 23 مليار دينار فإن فتح اعتمادات بقيمة 5 مليارات ونصف المليار دولار سيوفر عوائد على النقد الأجنبي قرابة 22 ونصف مليار دينار، وهذا ما يغطي بند المرتبات.

أما عن المحروقات فهي مع الأسف الشديد تكبد الدولة الليبية خسائر فادحة، فقيمتها تبلغ من 4 إلى 6 مليارات دولار سنويا وأكثر من نصفها يهرّب إلى دول الجوار، وهنا يجب على الحكومة التحرك وتقليص قيمة المحروقات، ومنع تهريبها إلى الخارج طالما أن الظروف التي تمر بها البلاد تصعّب رفع الدعم عنها.

في الختام أود أن أنوه أن صمت الرئاسي وحكومته في ظل تدني أسعار النفط في السوق العالمي التي انخفضت إلى 33 دولارا للبرميل عدم إدراكها للأزمة قد يُنبئ برياح عاصفة تؤدي إلى إفلاس الدولة الليبية، خاصة بعد إصدار المصرف المركزي الموازي في البيضاء بيانا اليوم يفصح فيه عن أن الحكومة الموازية قد استنفدت القدرة على الاقتراض، وهذا ما يعني أن المصارف التجارية في المنطقة الشرقية قد تكون شبه مفلسة.

أُترك رد

Exit mobile version