طالعت في إحدى المواقع الإلكترونية مقالاً بعنوان “يحدث في حزب ليبي”، تناول فيه أحد الكتاب الليبيين حزب العدالة والبناء، ونقده في جانب تنظيمي هيكلي، وبإسقاطات بدأها بفوكوياما المفكر وكيف أن الأحزاب تعمل على ترجمة أهدافها في احترام التعددية والديمقراطية وما إلى ذلك من كلام تنظيري عام.
ولكن الكاتب وبشكل مخل لم يحاول في خط مواز خلال نقده وصف الحالة السياسية التي تعيشها ليبيا وتلك الحروب المجنونة المتوالية والصراعات السياسية التي تشهدها البلاد، رغم أن هذا العامل المهم هو الأساس الذي ينبغي تناوله لتقييم أداء حزب العدالة والبناء أو غيره ممن يعملون وسط هذه الظروف طوال سنوات الأزمة التسع، ناهيك عما استعرضه الكاتب من أحداث مبتورة ومغلوطة أحيانا لم تستند إلى شواهد، وكذلك الأسباب الواضحة التي دفعته للكتابة وهي إسقاط عضويته من الحزب بشكل قانوني حسب اللوائح التي تحكم الحزب وتحدد العلاقة بين قيادته وأعضائه، ولن أتناول هنا هذه الأسباب عله يكشفها بنفسه.
ما يهمني هنا هو تسليط الضوء على مسيرة الحزب وقيادته وسط المشهد السياسي والأزمة الليبية ككل، فقد شارك الحزب في أول عملية انتخابية وكان الثاني في الانتخابات بعد تحالف القوى الوطنية الذي تشكل من ائتلاف أكثر من خمسين حزبا ومؤسسة، وتعتبر النتائج التي حققها العدالة في مواجهة هذا التكتل متفوقة جدا.
وأما قول الكاتب عن أن الحزب لم ينجح في الاستحقاقات الانتخابية الأخرى فهو غير صحيح، فقد جرى استحقاق انتخابي واحد لم تشارك فيه الأحزاب اصلا.
كانت كتلة الحزب في المؤتمر الأكثر نشاطا والأقوى تأثيرا بفعل ما توفر لها من استشارات وإطار تنظيمي متماسك، ففاز الحزب بمنصب نائب رئيس المؤتمر وشارك في حكومة زيدان بنائب رئيس الحكومة وخمس وزارات.
وقف الحزب بقوة في وجه كل محاولات الانقلاب على المسار السياسي من خلال أدائه المتميز، وأصبح الكتلة الصلبة لتيار الثورة في مواجهة مختلف أشكال الثورة المضادة.
وتلاشت بل اختفت كل الأحزاب الأخرى ولم يبق إلا العدالة والبناء وسط هذه العواصف، وقد شهد الدكتور طارق متري مبعوث الأمم المتحدة بدور الحزب في إنجاح العملية السياسية، وكان للحزب الدور الأبرز في إنهاء فتنة حراك لا للتمديد، إذ دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة دون مشاركة الأحزاب تنازلا للطرف الآخر وتجنيبا للبلاد ويلات الصراع.
اختار الحزب الحوار بدلا عن استمرار الحرب، وانخرط في حوار الصخيرات وكان الطرف الأساسي في إنجاحه وتوقيع الاتفاق، وتعرض لشتى أنواع الحملات الإعلامية من داخله وخارجه، ونجح في إنجاز الاتفاق ودعم دخول المجلس الرئاسي إلى العاصمة التي عادت إليها الشرعية، وكان له عضو ممثل في المجلس الرئاسي، ودافع على حكومة الوفاق من خلال وجوده في المشهد السياسي والإعلامي، ومن خلال حضوره في الشارع، وعلاقاته الدولية، في وقت كان يصف فيه الكثيرون الحكومة بالعمالة والخيانة، الكثيرون ممن نراهم اليوم يستظلون بظلها ويدافعون عنها في مواجهة المشروع العسكري، الأمر الذي يظهر منه جليا الآن أن الحزب كان سباقا في نظرته.
نجح الحزب في الفوز برئاسة المجلس الأعلى للدولة وهو بمثابة غرفة تشريعية ثانية للدولة لدورتين متتاليتين وفقا لانتخابات نزيهة.
وكان الحزب واضحا في موقفه المتوازن من عملية الكرامة برفض عسكرة الدولة وواضحا أيضا في رفض التعامل مع المجموعات الإرهابية المحسوبة على أنصار الشريعة أو داعش أو حتى المتعاونين معها وتحمل في سبيل مواقفه الكثير من الاتهامات من الطرفين.
وكانت قيادة الحزب ميالة في كل المحطات إلى التنازل لأبناء الوطن وحقن الدماء والوصول إلى تسوية سياسية والابتعاد عن الخطاب الجهوي أو خطاب الكراهية.
يحسب لحزب العدالة والبناء أخيرا دوره الفعال على كل المستويات السياسي والإعلامي والدبلوماسي في مواجهة عدوان حفتر الأخير على العاصمة ودعمه لحكومة الوفاق، وقد لعب الدور الأساسي في إنجاز الاتفاق مع دولة تركيا لمواجهة عدوان حفتر والدول الداعمة له وتحقيق التوازن المطلوب، وهذا ما يشهد به كل متابع.
وما تم سرده هو محطات أساسية هي غيض من فيض وجزء بسيط من مسيرة حافلة بالأداء السياسي التي لا نقول إنها خالية من الأخطاء والهفوات طبعا، فهي ممارسة بشرية في ظروف صعبة وتجربة جديدة.
أما حديث الكاتب عن الديموقراطية والتداول السلمي داخل الأحزاب العربية واستدلاله بما قام به الشيخ الغنوشي في تونس والسيد خالد مشعل في فلسطين فهي مقارنة غير موضوعية بالمطلق، من عدة وجوه أهمها أن عمر الحياة السياسية في ليبيا ثمان سنوات جلها حروب، وهو ما منع أساسا الهيئة العليا للحزب من عقد المؤتمر العام، وقد تم ذلك وفقا للوائح وبموافقة أكثر من الثلثين، أي بالمخالفة لما ادعاه الكاتب.
والحديث عن شخص رئيس الحزب فلا شك أن أي نجاحات حققها الحزب كما سبق استعراضه تحسب له ولقدرته على الإبحار بهذه المؤسسة رغم العواصف من الداخل والخارج، وليس من الإنصاف أن نبخس الناس أشياءهم، ونشكك في كل الرموز والقيادات، الأمر الذي لا يعني بطبيعة الحال عدم انتقادهم بشكل موضوعي.
أما ما قاله عن أن الحزب تأسس بقرار من جماعة الإخوان المسلمين فهو كلام غير صحيح، فلا علاقة تنظيمية تربط الحزب بالإخوان سوى وجود بعض الأعضاء ممن كانوا بالإخوان، واختاروا العمل السياسي، وهم لا يشكلون حتى ثلاثة في المئة من عموم الأعضاء.
بقلم: الكاتب الليبي عبدالمجيد العويتي