Menu
in

ليبيا.. صفقة “ماراثون-توتال” في ميزان الأرباح والخسائر

أبدأ تقييمي لصفقة شراء شركة “توتال” الفرنسية حصة شركة “ماراثون أويل” الأمريكية في امتيازات حقل الواحة الليبي بالقول: إن الشفافية تجدي كثيرا في تقدير الوضع الصحيح، ولهذا كانت مهمة ومن ضمن اشتراطات الحكم الرشيد، وغيابها يسهم في اضطراب السياسات والقرارات ويجعل كل من يهمه الأمر في غفلة وحيرة، وأنوه أن كثيرا من المعلومات الواردة في المقال لم يفصح عنها الجانب الليبي”.

حيثيات الموضوع

تم الإعلان عن شراء شركة “توتال” حصة شركة “ماراثون” في امتيازات الواحة والبالغة 16.33% بقيمة 450 مليون دولار، وذلك في آذار (مارس) 2018م، وتحفظت المؤسسة الوطنية للنفط على الصفقة، كونها المالك الأكبر بحصة تبلغ 59.18%، ثم عادت وأعلنت موافقتها في الأسبوع الماضي، دون أن يؤثر الموقف السابق للمؤسسة فعليا، حيث أن “ماراثون” استلمت القيمة منذ الإعلان عن الصفقة.

تحفظ المؤسسة الوطنية للنفط يعود إلى مبدأ مهم وهو ما يمكن أن نسميه “الغفلة” وهو ترجمة لـ (anonymity)، حيث أنها لم تعلم بالعملية ولا برغبة “ماراثون” في البيع واستعداد “توتال” للشراء. أيضا قيمة حصة “ماراثون” مغرية جدا، وهي أقل بكثير من القيمة الحقيقية، وكون المؤسسة هي المانح لحق الامتياز فهي الأولى بالاستحواذ عليه.

تأكيد شركة في حجم “توتال” لحضورها في صناعة النفط الليبية في هذا الوقت بالذات يعني أن الوضع في البلاد ليس بالسوء الذي لا يمكن معه الاستثمار، وسيكون مشجعا لشركات أخرى قد تحذو نفس الحذو.

بعد الإعلان عن الصفقة قامت المؤسسة الوطنية للنفط بإخطار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ويبدو أن اتجاها لشراء حصة ماراثون كان مطروحا، ونقل تقرير لرويتز عن مصدر من المجلس الرئاسي لم تسمه أنه تم طرح دخول المؤسسة الليبية للاستثمار على خط الصفقة، لكن لم يقع شيء من هذا، وبعد ما يزيد عن العام ونصف العام أعلنت المؤسسة عن قبولها للصفقة لصالح “توتال”، دون أن تفصح عن أسباب التأخير وما الذي جرى خلال هذه الفترة الطويلة.

توتال” إضافة وليست عبئا

من المؤكد أن استحواذ “توتال” على حصة “ماراثون” وتعزيزها لاستثماراتها في قطاع النفط الليبي إيجابي، فأن يكون البديل لـ “ماراثون” “توتال” هو إضافة وليس ثلمة وذلك لخبرتها الطويلة في مجال استكشاف وإنتاج النفط ولوضعها المالي الجيد، كما أن المؤسسة تحصلت جراء الصفقة على استثمارات إضافية لتطوير حقول الواحة تبلغ 650 مليون دولار، وستحقق هذه الاستثمارات زيادة في الطاقة الإنتاجية للحقول بـ 180 ألف برميل يوميا، هذا بالإضافة إلى 150 مليون دولار هي تبرع من “توتال” لصالح مشاريع الخدمات الاجتماعية والتنمية المستدامة في مناطق العمليات النفطية للواحة.

يضاف إلى ما سبق الدلالة السياسية والأمنية المهمة وهو أن تأكيد شركة في حجم “توتال” لحضورها في صناعة النفط الليبية في هذا الوقت بالذات يعني أن الوضع في البلاد ليس بالسوء الذي لا يمكن معه الاستثمار، وسيكون مشجعا لشركات أخرى قد تحذو نفس الحذو.

ومن المهم التنويه إلى أن شركة “ماراثون” لم تتخل عن حصتها في امتيازات الواحة بسبب الأزمة السياسية والوضع الأمني المتدهور في ليبيا، والمسألة ترجع إلى تغيير في استراتيجيتها بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها العام 2017م والتي بلغت نحو 6 مليارات دولار أمريكي والذي دفعها إلى تبني خطة تعظيم السيولة بدل التركيز على النمو فحققت بذلك أرباحا العام 2018م بلغت مليار دولار، ثم اتجاهها إلى تركيز نشاطها على استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

لماذا لم تستحوذ المؤسسة على حصة “ماراثون”؟

مع إقرارنا بأن الصفقة مفيدة ولا ضرر يقع على الطرف الليبي، إلا أنه من حق الرأي العام الليبي أن يفهم لماذا لم تستفد المؤسسة الوطنية للنفط بشكل أعظم من هذه الفرصة الكبيرة، ولماذا لم تعزز من حصتها الحالية خصوصا وأن الصفقة مغرية جدا، فقد قدرت بعض المصادر القيمة الحقيقية لحصة “ماراثون” بما يزيد عن المليار دولار؟!

إذا كانت الأسباب مالية أو فنية أو حتى سياسية فالتوضيح مهم، بمعنى أنه سيكون مفهوما إذا ما كان سبب إخفاق المؤسسة في الاستحواذ على حصة الشركة الأمريكية عدم توفر السيولة في ظل الظروف المالية الصعبة التي تواجهاها البلاد، خصوصا وأن ماراثون في حاجة للمال بشكل سريع وذلك وفق استراتيجيتها الجديدة التي تبنتها العام 2018م والتي تقدم التدفق النقدي (Cash flow) على توجه النمو من أجل النمو (growth for the sake of growth). وسيكون مخيبا للآمال في حال كان السبب هو عدم توفر المال!!

وقد نقبل ضياع الفرصة إذا كانت الأسباب فنية، أي حاجة المؤسسة لشريك في مستوى “ماراثون” لإدارة العمليات في الواحة، أو حتى سياسية بمعنى رغبة حكومة الوفاق في استمالة فرنسا وتحييدها باعتبار أن شركة مثل “توتال” يمكن أن تكون ذات تأثير على دوائر صناعة القرار ورسم السياسة الخارجية الفرنسية.

المقلق هو أن لا يكون خلف عدم استفادة المؤسسة من الصفقة دواعي مالية او فنية او سياسية، وأن تكون الفرصة قد ضاعت على البلاد بسبب الاهمال، أو الفساد.

التسامح مع الاهمال غير مقبول، والتغاضي عن الفساد ـ إذا كان خلف تفويت الفرصة على المؤسسة للاستحواذ على حصة “ماراثون” ـ هو الطامة الكبرى، وسيصبح إجراء تحقيق عاجل في الواقعة ملح على أن تنشر حيثياته ونتيجته للرأي العام.

الكاتب : السونسي بسيكري

المصدر : موقع عربي 21

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version