Menu
in

ماذا بعد قرار الرئاسي الليبي خفض مرتبات كبار موظفي الدولة؟

أثر قرار المجلس الرئاسي الليبي بخفض مرتبات أعضاء المجلس الرئاسي وأعضاء الحكومة والوكلاء بنسبة 40%، ومستشاري الحكومة بنسبة 30% ليس في مردوده المالي، فالفروق التي سيتم اقتطاعها وفقا للقرار لن تصل في مجموعها 10 مليون دينار في العام، أي أقل من 0.005% من إجمالي المرتبات حسب ميزانية ونفقات العام 2018، وإنما في مردوده السياسي والمعنوي.

أثر إيجابي ولكن..

الأثر في الحقيقة معنوي، وفي مثل الحالة الليبية، فإن الأثر المعنوي أكثر تأثيرا مئات المرات من الأثر المادي، ذلك أن الشعور بالغبن، الذي مرده الفروق الكبيرة في الدخول، يولد حالة من السخط عادة ما تكون نتائجها سلبية جدا، فيما تحقق العدالة في توزيع الدخول درجة من الرضا النفسي حتى مع تدني الأجور.

وإذا ما نجحت اللجنة المزمع تشكيلها لبحث توحيد المرتبات في كافة القطاعات الحكومية في الوصول إلى صيغة مثلى ومقاربة مقبولة، فإن أزمة التعليم يمكن أن تكون قد انتهت مرحليا.

وأقول مرحليا، أو مؤقتا، ذلك أن إفرازات الخلل الأكبر في البنية العامة للقطاع العام، والاقتصاد الليبي يمكن أن تفجر الوضع مرة أخرى وثانية وثالثة ولا ندري وقتها كيف ستكون العواقب.

إن أخطر ما يواجهه مجتمعنا منذ الانتكاسة الاقتصادية الكبرى مع مطلع ثمانينات القرن الماضي هو إدمانه على المسكنات والمهدئات، والعجز عن التعامل مع أصل الداء وسبب البلاء، وذلك لأن مواجهة أس المشاكل صعب وتداعياته مؤلمة فلا يجرأ أحد على الاقتراب منها ومواجهتها.

إصلاح هيكلي لمعالجة الخلل البنيوي

سياسة توحيد المرتبات قد توفر لخزانة الدولة مليار دينار ليبي، والتي ستقتطع من الفئات الأكثر دخلا، وهي الأقل عددا، لتوزع على الأقل دخلا وهم الشريحة الأكثر عددا بين موظفي القطاع العام، غير أن الزيادة ستكون محدودة بالنسبة الأقل دخلا، ليظل العامل الأبرز في تفجير الأزمة قائم وهو الدخل المحدود الذي بالكاد يسد الرمق وبصعوبة يوفر متطلبات العيش الأساسية، بل يعجز عن توفيرها.

أضف إلى ذلك تحدي عظم حجم المعتمدين على الدولة في قوتهم ومصاريف عيشهم، والذين يستنفدون نحو ثلث موارد البلاد وإيرادات الخزينة العامة، والبالغ عددهم ما يزيد عن 1.8 مليون، والعدد مرشح للزيادة المطردة، وذلك لعدم وجود بديل عن القطاع الحكومي لتوظيف التدفقات الكبيرة من قطاع التعليم إلى سوق العمل، وثقافة الاعتماد على المرتب الحكومي والضمان الاجتماعي، والذي ساهم في تكريسها تغول القطاع الخاص وضعف الأجور التي يمحوها أرباب الأعمال الصغيرة وحالة عدم الاستقرار التي يجد من خلالها العامل والموظف نفسه بدون عمل أو دخل لأدنى الأسباب.

كل ما سبق ذكره اختلالات كبرى ينبغي البحث عن حلول لمعالجتها، وإذا استمر تجاهلها من خلال سياسة الردم والاتكاء على الحلول الترقيعية، فإن الوضع مرشح لتفجر أزمات الأكبر.

مشكلتنا اليوم في انحدارنا إلى قاع العداوة والبغضاء والشحناء والأحقاد، ونزوعنا إلى منطق الغلبة بالقوة والقهر بالسلاح للاستئثار بالسطلة والسيطرة على الثروة، فالعنف لا يمكن أن يكون بناء ولا مجددا، والحلول الصحيحة للمشاكل المستعصية تبدأ من تغليب المصلحة العامة على الخاصة والجنوح إلى السلم والوئام، ثم التوافق على مسار النهوض.

أبجديات الإصلاح الشامل

ومع ما نواجهه اليوم من وضع مأساوي صنعناه بأيدينا فإني واثق أن التحديات مهما عظمت فإنها تصغر أمام:

1 ـ الإرادة القوية
2 ـ الرؤية الشاملة
3 ـ المقاربة التنفيذية المثلى
4 ـ الدعم الواسع والتوافق بين القوى المؤثرة في المجتمع على مسار مواجهتها.

هكذا تبدأ مشاريع التغيير الكبرى، ومقاربات الإصلاح الجذري، بقيادة فذة تتحلى بإرادة صلبة وتتبنى رؤية شاملة، ولديها مسار تنفيذي واضح لتحقيق الرؤية الشاملة، وتتحصل على دعم شرائح واسعة مهمة من المجتمع، عادة ما يأتي هذا الدعم من خلال صندوق الاقتراع والانتخابات العامة.

هذا المسار التغييري والإصلاحي هو الخيار الأنجع، وتبرهن على صوابيته تجارب الإصلاح والنهوض العديدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وآخر الأمثلة في تجارب الإصلاح والنهوض هي التجربة الرواندية، والتي وصلت إلى قمة تأزمها بأن قتل نحو مليون من سكانها خلال مائة يوم، في أشهر تصفية عرقية عرفها التاريخ المعاصر، وها هي اليوم تسجل أكبر معدلات النمو الاقتصادي، وقطعت مسافة لا بأس بها على مسار الاستقرار السياسي والاجتماعي.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version