Menu
in

أزمة التعليم تفضح الدولة وتكشف عبثها بالقطاع

إضراب المعلمين عن العمل أثار جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض للمطالب، وآخر متحفظ على توقيته لدواعٍ سياسية باعتباره جاء خلال فترة عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، وبغض النظر عن أحقية أو صوابية الإضراب من عدمه، إلا أن ما حدث فتح الحديث عن إصلاحات ضرورية في هيكلة مرتبات موظفي القطاع العام، وإعادة النظر في تضخم الكوادر الوظيفية والهياكل الإدارية المترهلة، الأمر الذي يعكس تشوه بنية الدولة بسبب سنوات التيه لنظام يدار بتوجيهات الأخ القائد!.

إن هذا الحراك المدني لشريحة واسعة من الليبيين كشف أن إستراتيجية “إنكار الأزمة وتجاهلها” التي انتهجها الوزير السابق هي إستراتيجية خاطئة، علاوة على أن أسلوب التهديد والوعيد الذي أطلقه على الجميع دون إنصاف للمعلمين الأجلاء الصادقين في أداء عملهم زاد من تفاقم الأزمة، فأصبح عبد الجليل الأزمة الأكبر ولم يبق أمامه إلا مخرج الطوارئ ليغادر الوزارة.

*ماذا أظهر الحراك؟

خطوات جريئة وصائبة اتخذها المجلس الرئاسي تمثلت أساسا في معالجة تضخم الكادر الوظيفي في الدولة وتخفيض قيمة بنذ المرتبات الذي يعد أكبر البنود في ميزانية الدولة، إلا أن هذه الخطوات كشفت في الوقت ذاته عن مدى غياب الدولة وفقدان الخطط والتصورات لمعالجة الأزمات المتجذرة في قطاعات الدولة والموروثة عن النظام السابق، بل غياب الحل زاد من تضخم الأزمات وتشعبها، وهذا ناتج عن قصور من تولى الحكومات المتعاقبة بداية من محمود جبريل وصولا للسراج في الجانب التنفيذي، وعدم درايتهم بإدارة دواليب الدولة ومؤسساتها وانشغالهم بالجانب السياسي، كما لا بد من تسجيل علامة استفهام كبرى عن عمل وزارة التخطيط.

حراك المعلمين عكس مساحة الحرية والأجواء الديمقراطية التي تعيشها المنطقة الغربية، باعتبار التظاهر والاحتجاج والاعتصام هو لب الممارسة الديمقراطية وحق كفله القانون والإعلان الدستوري المؤقت، كما أبان رجاحة الحكومة في التعامل مع حراك مدني، ومدى قبولها باعتراض شريحة من الشعب على قراراتها دون اللجوء إلى العنف وقمع المتظاهرين كما حدث ويحدث في المنطقة الشرقية حسب الفيديوات المنتشرة على وسائل الإعلام، إضافة إلى أن الحراك أظهر أهمية العمل الجماعي المؤسسي الذي تمثل في نقابات المعلمين بالمناطق.

*تركة من التخبط والفوضى

قطاع التعليم هو ضحية عقود من التخبط والفوضى والتجارب المتضاربة، ما أن تُقدَّم تصورات جديدة للقطاع حتى تصطدم بعقبات تنتهي بإلغائها مبكرا أو إكمالها على علّاتها لسنوات، والضحايا بطبيعة الحال هم الطلبة، فغاب التخطيط وضاعت أولويات العمل، ودلالة على ذلك تتغير سياسات القطاع بين سنة وأخرى وفي أحسن الأحوال لا تستمر لعقد واحد، فأحيانا وزارة واحدة تضم التعليم العام والعالي، وأحيانا يضاف لها التعليم التقني تحت مسمى وزارة التعليم والتكوين المهني ثم تفصل، وهكذا دواليك يستمر مسلسل التخبط الإداري ليغيّر التعليم الثانوي من العام بشقيه العلمي والأدبي إلى التخصصية بين عشية وضحاها دون تأهيل معلميه وتجهيز معامله، كما لم يُستفد من تقنيات التعليم الذكي وثورة المعلومات إلا مؤخرا وبشكل خجول، ناهيك عن حقبة عسكرة المدارس وجمهرة الجامعات، ونصب المشانق للرأي المخالف على مدارج العلم.

قطاع التعليم منذ عقود هو الوعاء الأكبر لاستيعاب التعيينات والتعاقدات الوظيفية إلى أن أمسى مَكَبًّا عامًّا نقل إليه موظفو الشركات والمنشآت الصناعية التي آل مصيرها للحل والإغلاق، مما أدى إلى تضخم كادر القطاع خاصة من أصحاب المهن غير التربوية دون النظر لحاجة التخصصات المطلوبة، فنتج تكدس في تخصصات بينما أخرى تعاني حد الافتقار، واتسمت المناهج بالتقليدية مع كتب حافلة بترهات الجماهرية والشعارات التافهة، فظلت ليبيا وفي أحسن الأحوال في ذيل قائمة ترتيب دول العالم من حيث جودة التعليم، وفي بعض السنوات خارج التصنيف الدولي.

إن قطاع التعليم عانى من أوجه خلل جسيمة منذ خمسة عقود، سبّبت أزمات متجّذرة ومتشعبة، ومن المؤسف أنه إلى هذه اللحظة لم يجرِ العمل على تفكيكها وتحليلها ورسم معالجات آنية واستراتيجية وحلول جذرية، بل الغالب هو اللجوء للحلول التلفيقية التي لن تؤسس قاعدة متينة لقطاع يمثل حجر الأساس لبناء الدولة.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version