Menu
in

النظام المصري ومطلب توزيع الثروة في ليبيا

راعني نهج تناول اصطلاح “توزيع الثروة”، وكيف يتم تسييسه على مستوى خارجي ضمن أجندة الأطراف الإقليمية، ليصبح مكررا في كل تصريحات الرئيس السيسي حول الأزمة الليبية خلال الست أشهر الماضية، وبالتحديد مع بدء الهجوم على طرابلس في مطلع أبريل الماضي، وكان آخرها خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ايام قليلة.

توزيع الثروة بعيدا عن التسييس ينبغي التنويه إلى أن هناك ما يشير إلى تعمد إقحام مطلب توزيع الثروة في ثنايا البحث عن سبيل لوقف إطلاق النار، والجلوس على طاولة التفاوض، فالسيسي مُصِر، والمبعوث الأممي غسان سلامة يعتبره ضروريا لتحقيق انفراج سياسي.

هناك ما يشير إلى تعمد إقحام مطلب توزيع الثروة في ثنايا البحث عن سبيل لوقف إطلاق النار، والجلوس على طاولة التفاوض ومن المهم أولا التأكيد على أن المصطلح بالأساس اقتصادي اجتماعي، ويُطرح في أدبيات علم الاقتصاد بعيدا عن الصراعات التي عادة ما يوظف فيها ما هو متاح لتحقيق مكاسب خاصة لا تمت إلى المصلحة العامة بصلة، ولا علاقة لها بالدلالة الموضوعية للاصطلاح.

توزيع الثروة في أبسط تعريفاته هو مقاربة لإعادة توزيع الدخل بهدف مكافحة الفقر وتحقيق المساواة بين المواطنين.

ويكون ذلك من خلال استخدام وسائل وأدوات عديدة، منها فرض الضرائب التصاعدية، والدعم النقدي، وإتاحة الفرص أمام الجميع ودون تمييز لأجل التطوير والإبداع وتحسين مستويات العيش، والتنظيم الإداري الأمثل أو حتى تنظيم الملكية، وغيرها من خيارات وبدائل تعج بها كتب الاقتصاد.

وبطريق آخر، فإن مدلول توزيع الثروة مقترن بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تناولتها نظريات التنمية الاقتصادية، والتي طرحت، وما تزال تطرح، مقاربات لتحقيق مستوى مُرض من النمو والتنمية الشاملة المستدامة، مع ضمان العدالة والمساواة ومستويات مريحة من الرفاه لكافة المواطنين.

فلا علاقة لتوزيع الثروة بالصراعات السياسية التي تحركها أو تدعمها أطراف خارجية، وعندما يُطرح المصطلح من قبل طرف خارجي متورط في الصراع الدموي؛ لا يمكن أن يكون لطرحه غاية اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على عموم الليبيين.

توظيف سياسي مفضوح ما يرمي إليه بعض الساسة الليبيين والأطراف الإقليمية، من محاولة فرض توزيع الثروة في أي اتفاق محتمل، هو إخضاع النفط الليبي للمساومات السياسية، وجعله ضمن مفاوضات تقاسم السلطة الذي شاع بعد اجتماع السراج وحفتر قبيل هجوم الأخير على طرابلس، وهذا فهم لا يستعصي حتى على قليل البضاعة في السياسية.

حفتر لم يضع تقاسم الثروة في أجندته، ولم يستخدم في خطاباته اصطلاح توزيع الثروة الذي يستخدم اليوم كمرادف لتقاسمها إلا بعد أبريل الماضي، وفي تزامن وتناغم مع السياسة المصرية خليفة حفتر لم يضع تقاسم الثروة في أجندته، ولم يستخدم في خطاباته اصطلاح توزيع الثروة الذي يستخدم اليوم كمرادف لتقاسمها إلا بعد أبريل الماضي، وفي تزامن وتناغم مع السياسة المصرية، ذلك أن حفتر كان في السابق يطمح إلى التربع على عرش السلطة والثروة والسلاح في البلد، وعندما يرد اليوم الاصطلاح على لسان حفتر وداعميه، وفي مقدمتهم السياسي، فالدلالة واضحة، ولا تحتاج إلى إعلان صريح. النظام المصري ومفارقة توزيع الثروة مصر تشكل نموذجا سيئا للعدالة الاجتماعية، وتشير العديد من التقارير إلى أن نحو أربعة آلاف من رجال الأعمال يستحوذون على نحو ثلث الثروة المصرية (الدخل)، بينما يعيش ما يزيد عن 30 في المئة من المصريين تحت خط الفقر؟ ويدرس أبناء الأسرة الغنية في مدارس خاصة تتوفر فيها مختلف سبل الرفاهية بالإضافة إلى مناهج وتجهيزات راقية، فيما يصل اكتظاظ الفصول في المدارس العامة إلى نحو 60 طالبا في الفصل.

والمثال ينطبق على قطاع الصحة، حيث يتوفر العلاج والخدمات الطبية المتكاملة في المستشفيات الخاصة، فيما تعاني المستشفيات الحكومية التي هي ملاذ الغالبية الساحقة من المصريين من أوضاع حرجة ولا تتوفر فيها أدنى احتياجات الطب البشري.

أمام هذه الأرقام والبيانات تصبح دعوة السيسي وفق المفهوم الاقتصادي والاجتماعي فارغة من المضمون، وليتأكد أن القصد هو تقاسم ثروة أو دخل البلاد بين طرفي النزاع، ليقع تحت طائلة حليفه ما يمكن أن تستفيد منه مصر بشكل مباشر ودون قيود.

تقاسم الثروة في ظل التأزيم

قرأت للبعض كلاما عن مقاربة بناء الدولة بعد الاستقلال، وكيف نجح الآباء في التوافق على عقد اجتماعي مهد لاستقرار كان أساسا لنهضة بدت ملامحها واضحة خلال عقد الستينيات.

وأعقّب هنا بأن الوضع مختلف تماما، وهو شديد التعقيد بحيث تصبح فيه المقارنة غير موضوعية.

وهناك فرق بين أن تدعو لاستلهام ما وقع في بداية تأسيس الدولة وبين استنساخه، ليكون أساسا لحل الأزمة التي تختلف تركيبتها لوجود عناصر تأزيم لم تكن حاضرة في الماضي، والافتقار لعوامل حلحلة وتفكيك حضرت وتغيب اليوم.

هناك فرق بين أن تدعو لاستلهام ما وقع في بداية تأسيس الدولة وبين استنساخه، ليكون أساسا لحل الأزمة التي تختلف تركيبتها لوجود عناصر تأزيم لم تكن حاضرة في الماضي وأنوه أخيرا إلى أن تقاسم الثروة تحت غطاء توزيعها في ظل التأزيم الراهن؛ لا يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية أو يحقق المساواة والعدالة والرفاه للمواطنين، حتى بالتوافق على النظام الفيدرالي وانتهاء الأزمة السياسية والأمنية على مستوى ليبيا.

بمعنى أن الاعتقاد بأن تقاسم السلطة وتقاسم الدخل سيحقق لنا ما نصبو إليه؛ فيه تفاؤل مبالغ فيه. فلا ضمان لاستقرار كل إقليم لوجود بذور الشقاق والصراع فيه، ولدى الأقاليم التاريخية من التناقضات الاجتماعية ما يجعل الصراع مستمرا والتنافس دمويا، ومن صرح أن قبيلة العبيدات استأثرت بالسلطة التشريعية والبراعصة بالسلطة التنفيذية والمغاربة بالنفط هو شيخ من شيوخ العواقير، والوضع مشابه بل أكثر تعقيدا في الغرب والجنوب.

أما اقتصاديا، فالولايات المتحدة الأمريكية، وهي نموذج للنظام الاتحادي ومثال للاستقرار السياسي والأمني، تعاني من تفاوت طبقي حاد، ويستحوذ 1 في المئة من الأمريكيين على 41 في المئة من الدخل، حسب دراسة لجامعة هارفارد مؤخرا، واعتبرت الدراسة أن هذه المفارقة يمكن أن تكون أهم أسباب تأزم الوضع في أمريكا.

للكاتب: السنوسي بسيكري، نقلاً من موقع عربي 21

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version