Menu
in

تطور مفهوم الدولة.. من الخلافة إلى الدولة الوطنية الحديثة “الجزء الرابع “

فض الاشتباك بين الدولة والجماعات العاملة في الشأن العام..

تمتلك الحالة الليبية أوجه شبه مع الحالة المصرية، والحالة الأردنية، ولكنها تنفرد بوضع خاص في سياقها المحلي. ومن هنا تكون الإشارة إلى الحالتين السابقتين في محله من جهة أوجه الشبه، ويجب التحفظ عليه من أوجه أخرى.

ولا شك أن الحياة السياسية في ليبيا تمر بمرحلة من التشتت والالتباس الفكري والسياسي في تنظيم العلاقة بين الدولة والسلطة والجماعات العاملة في الشأن العام.

بات لزاما البحث عن سبل للتعايش والعمل السياسي أو غيره وفق القانون والوثائق الدستورية المتفق عليها والتي تقر باتفاق أو استفتاء شعبي، لتصبح ميثاقاً للتعايش ومرجعاً للجميع.

قد لا تكون هذه الوثائق هي الأمثل ولكن من خلال وضع أسس للتفاهم والتعايش نستطيع تطويرها تدريجياً، للوصول إلى الوضع الأمثل، أسوة بالدول التي ما انفكت تطور من دساتيرها عبر السنين.

في المحصلة فإن الدولة الوطنية الحديثة نظمت العمل السياسي من خلال قانون للأحزاب، ونظمت مؤسسات المجتمع المدني بقانون آخر، وهناك تشريعات للعمل الاستثماري وأخرى للعمل الرياضي.

السبيل إلى فض الاشتباك

هذه جملة من النقاط، سبق أن طرحتها في مقال (1)، لعلها تساهم في فض وإنهاء هذا الاشتباك الذي أتى على الأخضر واليابس، وأدخلنا في دوامة من التخلف، ستعاني منها الأجيال القادمة:

أولاً: إنهاء الولاء الحزبي المفرط أو الانتماء النخبوي المحدود والانفتاح على المجتمع، والالتزام بما هو متاح في الوثائق الدستورية، وجعلها المرجعية، والرضا بالسقف المحدد فيها، والمطالبة بتطويرها وإصلاحها، من خلال ما تسمح به هذه الوثائق، ولا يكون تعديلها إلا من خلال الآليات المحددة فيها.

ثانياً: التمييز الواضح بين العمل الدعوي والعمل السياسي، على أن تكون المطالبة بتطبيق الشريعة من خلال تقديم المبادرات للمشاريع التنموية وصناعة السياسات العامة وصياغة مشاريع القوانين التي تضع الأحكام الشرعية موضع التنفيذ من خلال إقرارها والعمل بها، وكذلك إصلاح أجهزة الدولة ومؤسساتها وقوانينها تدريجياً وذلك عبر التراضي والمسار الديمقراطي.

الدولة تحتكر العنف والعمل السياسي يكون من خلال الأحزاب التي تتأسس وتعمل وفق الدستور والقانون، والعمل الدعوي والخيري والتطوعي المؤسسي يؤدى من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

ثالثا: الجزم بأن الوصول إلى السلطة لا يكون إلا عبر الآليات المحددة في الوثائق الدستورية، وإذا كانت هذه الوثائق قاصرة فينبغي المطالبة بتطويرها بالقدر المسموح به، والعمل على هذا التطوير بالآليات القانونية.

رابعاً: عدم السماح بدخول العمل الحزبي، لمن له بيعة لتنظيم يسعى إلى السلطة بغير آلياتها. ولا بد هنا من التأكيد على ضرورة أن تنسجم أوضاع هذه الأحزاب مع مواثيقها ونظمها الأساسية ومع القوانين والدساتير، من أجل فك الاشتباك بينها وبين منظومة الدولة.

خامساً: في المقابل تلتزم الدولة، قولا وعملا، بالدستور والقانون وتحترم إرادة شعوبها ولا تسعى لتزويرها أو مصادرتها، كما تلتزم الدولة بعدم تجيير الأجهزة الأمنية والعسكرية لقمع الشعوب أو لإطالة بقاء الحكام في السلطة فوق ما ينص عليه الدستور، أو تسعى لتعديله بإستفتاءات صورية مزورة.

دولة القانون والمؤسسات

لا مفر من إنهاء هذا الاشتباك وفضه ببناء دولة القانون والمؤسسات التي تقطع مع الاستبداد وتضمن الديمقراطية والحوكمة الفاعلة والتداول على السلطة، دولة المواطنة المحايدة تجاه مواطنيها، دولة المؤسسات تتيح فرص متساوية لكل مواطنيها وتبني اقتصادا حرا يوفر حياة كريمة لهؤلاء المواطنين.

دولة الدستور الذي ينتجه شعب لمصلحته، وليس الذي يفصله فرد على مقاسه، دستور وقانون يصون الحريات ويضمن حقوق الإنسان كقيم مركزية ومؤسسية. دولة تسمح لكل المواطنين والمجموعات السياسية بالوصول إلى السلطة عبر المشاريع التي يقنعون بها شعبهم الذي يحاسبهم عليها فيمدد لهم أو يسقطهم ويختار غيرهم، كل ذلك عبر صناديق الاقتراع لا صناديق الذخيرة.

…….

1) عبدالرزاق العرادي، نحو فض الاشتباك بين الدولة والإسلاميين، 3 أبريل 2015، موقع عين ليبيا الإخباري.

عضو المجلس الانتقالي السابق عبد الرزاق العرادي

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version