Menu
in

المجتمع ومتلازمة الانحطاط الديني

الدين كشريعة ومنهج حياة ظاهرة اجتماعية ملازمة للنوع الإنساني منذ الخلق الأول، رافقه في رحلة الهبوط الأرض منذ اللحظة الأولى لمباشرة وظيفة الخلافة في الأرض التي نص عليها القانون الكوني الإلهي كما أخبر القرآن بذلك، فهى مسألة محسومة قدريا قبل أن يُخلق الإنسان نفسه.

ولأهمية الدين علم الإنسان الأول كل الأسماء، ثم أجرى له اختبار أهلية أمام خلق آخر مختلف عنه في طبيعة ومادة الخلق الأساسية، فنجح الإنسان في الامتحان وتبوأ المركز المعنوي والاجتماعي المناسب حتى أنه استحق أن يسخر له الكون كله.

وليس هذا المؤشر الوحيد على أهمية الدين لنشاط الإنسان الأرضي كلا، بل احتاج الدين إلى سلسلة طويلة ممتدة من الرسل والرسالات والنبوءات والأنبياء والمجددين والمصلحين لما عساه قد يتطرق إلى أصل الدين من العطب بسبب سوء الاستخدام البشري لسبب أو لآخر.

ثم تطورت الجماعات الإنسانية وواكب الدين تلك التطورات، حتى أن شرائعه الجديدة نسخت شرائعه القديمة، بل في الشريعة الواحدة شاهدنا كيف نسخ آخرها أولها لا لشيء سوى تطور الحالة الإنسانية أو تغيير الملابسات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.

ولكن السؤال الذي يهم النواهض بالمناسبة هو : كيف تنحط المجتمعات دينيا؟ أو كيف ينحط دين المجتمع؟

بديها ينحط الدين بانحطاط المتخصصين في علومه بالأساس، وهو أخطر عوامل فساد وانحطاط الدين، وهذا تارة يكون بكتمان بعض نصوصه أو تحريفها عن مواضعها، أو إضافة ما ليس منها، أو توظيفها توظيفا تعسفيا غلوا فيها بخلاف طبيعة النص الديني نفسه، أو بالتفريط فيها مجافاة عنه.

وقد ينحط دين المجتمع بسبب تملص المجتمع نفسه من تعاليم شرائعه وتفريغه من جوهره والاكتفاء بمظهره، حتى يتحول إلى طقوس باردة لا تصلح لضبط إيقاعات حركة المجتمع ووتيرتها في كل أحواله.

وربما الاختصار شديد هنا وذلك لأن المقصود فتح أبواب الفكر في تناول ظاهرة تنتشر بشكل مطرد اليوم في الانحطاط الديني حتى أن من يطلق عليهم شيوخ يمارسون حياتهم مثل السفهاء والمنحطين أخلاقيا، في جدله العلني حتى تجرأ منهم اليوم من لا يتورع أن يصف من يختلف معهم بالرأي “بالعاهرة التي تريد حلوانها قبل ممارستها للفاحشة” وهذا يجعل المنابر في المساجد مأوى لكل سفيه منحط الأخلاق والمأزومين نفسيا، ويتشامخون أنهم في مرحلة ما من أعمارهم ذهبوا للدراسة في السعودية وحفظوا بعض المتون، وهم لا يتجاوز قدرهم وصف القرآن مثلهم “كمثل الحمار يحمل أسفارا” أو “كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث” إخلادا إلى الأرض.

وجود أمثال هؤلاء المأزومين على المنابر لا يدل على شيء سوى انحطاط المجتمع دينيا؛ لأن الأراذل هم من يتصدرون للتخصص في المواد ذات العلاقة بالشريعة، أي تحول الدين إلى مهنة لأفسد عناصر المجتمع، وهنا يُطرح السؤال عن مدى خطورة قبول المجتمع لمثل هذا الانحطاط الخطير.

لم يظهر السب واللعن في مساجدنا إلا لأن من يقومون عليها فاسدون منحطون امتهنوا التزاحم في المساجد يظنون أنهم يعمرونها، وهم بنفسياتهم وعلومهم واهتماماتهم الطفولية العابثة ومباحثهم الخرافية السيئة يخربون المساجد وينفرون الناس منها، ويفسدون عقل ونفسية من يتردد عليها، بل لم ينزهوا المساجد عن تدنيسها بانحرافاتهم الفكرية والسلوكية والأخلاقية، ويظنون أنهم يحسنون صنعا.

على المجتمع أن يدرك أنه بهذا الشكل ينحط دينه ويفسد، وأن مسؤولية إصلاح الأمر ووضعه في نصابه ليست مما يمكن إهماله أو الغفلة عنه، بل يجب التفكير في الأمر بجدية أكثر من السلبية التي يعامل بها الأمر الآن.

وإلا سيفر الشباب من الدين بسبب تخلف هؤلاء وفساد أخلاقهم وانحرافات سلوكياتها واعتلال نفوسهم، واستئمانهم حتى على تحفيظ القرآن يشكل خطرا محدقا بالأطفال، وهنا يجب على الآباء والأمهات الانتباه لما يجرى هناك فيما يسمي بالكتاتيب والخلوات فقد صارت تشكل بؤرا لنشأة الغلو والتطرف والانحرافات السلوكية.

وهذا الأمر لا يصلح لمعالجته لا استثناء ولا تعميم، ولكن لا يعالجه إلا الحزم والانتباه وتقنين مواصفات من يسمح لهم بالبقاء هناك، وإلا فستكون مجرد مأوى آمن للذئاب البشرية تفتك بالأطفال في غفلة من أهلهم وفرط ثقتهم فيمن يتمسحون بحفظ القرآن أو الفقه.

هل هذا موضوع حساس نعم حساس، هل إثارته هكذا مطلوبة، نعم مطلوبة، فلا ينبغي لنا أن ننصب خيامنا في مضيق الزوابع ثم نقول من أين يأتينا السعال؟.

الكاتب: صلاح الشلوي في صفحته على فيسبوك

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version