في منتصف يناير الماضي أعلن الناطق باسم قوات حفتر بدء عملية عسكرية في الجنوب، ظاهرها محاربة العصابات الأجنبية، والجماعات الإرهابية، بينما فضل المجلس الرئاسي الذي تعترف به الأمم المتحدة والدول الغربية الصمت مع مرور أكثر من 20 يوما على بدء هذه العملية.
ويتساءل البعض عن سر صمت الرئاسي، هل يكون العجز عن الفعل العسكري هو الذي أرغمه على التزام الصمت وعدم اتخاذ موقف واضح مما يحدث في الجنوب الليبي؟
دفن الرأس في التراب
رأى الكاتب علي أبو زيد أن المجلس الرئاسي يصر على أسلوب المهادنة مع حفتر غير المعترف به، ولا يريد أن ينحاز لأهل الجنوب وقضيتهم.
وقال أبو زيد، في تصريح للرائد، إن الرئاسي يفضّل سياسة دفن الرأس في التراب مع أنه يملك الشرعية والاعتراف الدولي، مؤكدًا أن هذا سيؤثر فيه سلبا بتوسيع مناطق نفوذ حفتر وفقدان الثقة في المجلس الرئاسي بوصفه سلطة تنفيذية قادرة على معالجة القضايا على المستوى الوطني.
عاجز عن حماية نفسه
في حين أكد الباحث والأكاديمي محمد غريبي، أن المجلس الرئاسي عاجز عن توفير الحماية لمقره في طرابلس، فكيف يمكن التعويل عليه في فرض الأمن في الجنوب حيث الصحراء الشاسعة والحدود المترامية الأطراف؟!
وبيّن غريبي، في تصريح للرائد، أن ما يحدث في الجنوب هو مناورة سياسية يحاول من خلالها حفتر إزعاج الرئاسي والنيل منه، طالما أنه لا يملك القوات الكافية لتأمين المنطقة واحتواء جميع أبنائها.
وأشار غريبي إلى أن تغلغل قوات حفتر في الجنوب يلقي بظلاله على مسار المفاوضات المتعلقة بتوحيد المؤسسة العسكرية، موضحا أن سياسة خلط الأوراق ستنسف أي مسعى جدي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ويتعمد تعطيل الجهود الرامية إلى رأب الصدع، ويحاول القفز إلى الأمام عن طريق إيجاد حيل و “خزعبلات” تسمح له إعلاميا بإطالة أمد الحرب وتشويه خصومه وشيطنتهم تمهيدا لسحقهم.
ويرى غريبي أن الجنوب سيتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات وسيكون لذلك تداعيات قاسية على الحياة هناك، لافتا إلى أن حفتر سيفتح الباب واسعا نحو التدخل الخارجي؛ لأنه يحول الأطراف المحلية العاجزة عن فهم خارطة التحالفات السياسية والإقليمية إلى مجرد أداة رخيصة لتنفيذ أجندة مشبوهة تحقق مصالح الأطراف الأجنبية وتضرب النسيج الاجتماعي في العمق.
التقاعس خلّف فراغا
وفي سياق متصل، اعتبر الكاتب والصحفي عبد الله الكبير أن تقاعس الرئاسي عن نجدة الجنوب خلف فراغا تمدد فيه حفتر الذي سيعمل على كسب ورقة الجنوب ليحجز موقعا أفضل في أي تسوية سياسية مقبلة.
أضاف الكبير، في تصريح للرائد، أن صمت الرئاسي عن عملية حفتر في الجنوب ليس له تفسير سوى العجز، فالعجز عن نجدة الجنوب، والعجز عن التأييد إن كانت حملة حفتر بالفعل تهدف لتأمين الجنوب، والعجز عن إدانة انتهاكات هذه القوات تجاه المواطنين.
كأنه طرف خارجي
فيما أوضح الكاتب إبراهيم عمر أن المجلس الرئاسي قصر في كثير من القضايا، وأهمل غيرها، وتقاعس في إيجاد الحلول لعدد من الأزمات، وهذا من المعروف عنه إذ إنه يُرجئ إيجاد الحلول لعدد من المشكلات التي يعاني منها المواطن والوطن حتى تكبر وتزداد اتساعا وتأزما.
وفي تصريح عمر للرائد، اعتبر أن الرئاسي يحاول أن يكون توافقيا في الأزمات بين الليبيين، وكأنه الطرف الخارجي الذي يسعى للتوفيق بين الأطراف الليبية، مؤكدا أن هذا المسلك تسبب في ازدياد بعض المشكلات تأزما.
وعزا عمر تقاعس الرئاسي إلى عدم توافق أعضائه وانسجامهم، وضعف رئيسه في اتخاذ القرارات الحاسمة، مبينا أن هذا الأمر منح قائد عملية الكرامة الفرصة للسيطرة والتوسع لأغراض سياسية أكثر مما هو سعي لأجل استقرار الوطن.
ويظل الجنوب منسيا لعدة سنوات، تنهشه الأزمات وتعصف به المدلهمات، وأصبح ورقة تتلاعب بها الأطراف الدولية والإقليمية، ولم تكن الأطراف الليبية سوى بيادق على رقعة الجنوب الواسعة.