Menu
in

من إيجابيات الزيارة

في خطوة جريئة قام رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي بزيارة إلى قائد عملية الكرامة والطرف الأكثر تأثيرا في شرق ليبيا خليفة حفتر، وهو أكثر الأطراف في ليبيا إثارة للجدل وأكثر الشخصيات المختلف عليها بين الليبيين فضلا عن توغله في دماء الشعب الليبي شرقا وغربا وجنوبا.

ورغم الانتقاد اللاذع والشديد التي لاقته الزيارة؛ إلا أنني في هذا المقال أحاول أن ألتمس بعض الإيجابيات التي أسفرت عن الزيارة، أو الأخرى التي من الممكن أن تسهم في تعبيد الطريق نحو حل الأزمة الليبية المعقدة:

– أصبحت جميع الأطراف (خاصة تلك التي كانت قبل أيام قليلة ضد الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية) مقتنعةَ بأنه لا حل لليبيا إلا بالجلوس على طاولة الحوار، ما يعني أن الحرب قد أفلت، وأن شبح رجوعها بات بعيدا.

– برتوكول الاستقبال الذي تم للسيد المنفي في مطار بنينا وغياب التواجد الجماهيري كشف أمراً كان ينكره البعض وهو أن الجزء الأكبر من المنطقة الشرقية تحت حكم العسكر.

– انتصار الرهان السياسي وانهزام رهان الحرب؛ بمعنى أن جميع الأطراف تيقنت أن الحرب ليست طريقا للاستقرار فضلا على أنها ليست طريقا للوصول إلى سدة السلطة.

– صحيح أن الزيارة لاقت انتقادات كثيرة؛ إلا أن كثيرا من الليبيين رحبوا بالزيارة متطلعين إلى خيار السلام، يحدث ذلك بعد تعرضهم لخطاب مركز من الكراهية والتخوين.

– عموم الليبيين لا يهمهم كفاءة الأجسام بقدر ما يهمهم سرعة تحقيق النتائج التي تحقن الدماء.

– انتقل التيار الرافض للحل السياسي الذي رعته البعثة الأممية أو تيار “التأزيم” من رفض عقيلة صالح الداعم لحفتر، إلى تبرير الجلوس مع حفتر مباشرة، وهو مؤشر إيجابي يعبر عن تطوير المواقف وتقبل الواقع بعد أن كان التخوين مسلكا لهذا التيار مارسه مع خصومه.

– غياب دار الإفتاء عن حدث الزيارة أكد للجميع بأن الخطاب الذي تتبناه الدار في مجال السياسة هو أقرب لـ”الهوى السياسي” وليس للرأي الشرعي، وهذا ما سيجعل المتابع يفكر ويقارن بين خطاب الدار في المجال السياسي، وخطابها في الأمور الشرعية الأخرى.

– جزء كبير من القبائل التي ما فتئت ترفض كل سبل الحوار والتسوية بين الليبيين، قد صمتت بعد وصول المنفي الذي اختير نتيجة “الحوار والتسوية” التي كانوا رافضين لها، وهذا ما يعني أنه لا دور يذكر لتلك القبائل سوى دور “الكومبارس” الذي يروج لأي موقف يتخذه حفتر.

أسرد هذه الإيجابيات بمنطق الواقعية السياسية بعيدا عن المزايدات الفارغة التي يمارسها بعض من أصحاب المصالح، أو الأبواق المقيمة في الخارج والبعيدة عن واقع البلد المرير، أو الحالمين الطوباويين الذين ينظرون بنظرة مثالية للحالة الليبية دون قياس أو معايشة دقيقة لما يحصل داخلها.

ولعلّه من نوافل القول الحديث على أن التسوية بعد النزاعات لا تتمّ إلى بجلوس الخصوم المتنازعة مهما كان الصواب مع إحداها، ومهما توغل الطرف الآخر في الخطأ، ولن ينجح أيّ حوار إلا بالتنازل وتجاوز المصالح الآنية والشخصية في سبيل تحقيق هدف أسمى هو الوصول بالبلد إلى مرافئ الاستقرار، وهي أمور كانت أسسا وقاعدةً لحزب العدالة والبناء خاصة عندما طالب بضرورة تسريع التسوية وتحمل في سبيل إنجاحها سهام الخصوم، وكانت رؤيته القائمة على سلطة تنفيذية (تراعي التوازن لأجل الاستقرار)، وسار في خيار التسوية مع طرف مدني “عقيلة صالح” الذي يحظى بثقل قبلي واجتماعي، على أن تكون الحكومة مع الطرف المعتدى عليه بصلاحيات واسعة.

لكن الغريب (وربما أصبح الآن ليس غريبا لتكرر ممارستهم له) أن هذه الرؤية التي تبناها الحزب ورفضها تيار “التأزيم”، أصبحت الآن هي نفس الرؤية التي يستخدمها أبواق هذا التيار لتبريرزيارة المنفي لحفتر، بمعنى أنه رفض عقيلة لقربه من حفتر وبرّر للمنفي الذي حجّ للرجمة حتى قبل استلامه منصبه، ولكن -كما ذكرت- ربما يكون ما حدث درسا وتجربة يستفيد منها هذا التيار لتبني مواقف سياسية واقعية ومنطقية لتجنب الوقوع في مثل هذا الفخ، ولعلّ من أبرز الحكم التي تصلح أن تكون قاعدة لهم، ما ذكره الفيلسوف المغاربي ابن رشد حين قال: “من الإنصاف أن يأتي المرء من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه”، والله الموفق والمستعان وهو من وراء القصد.

أُترك رد

كُتب بواسطة سالم محمد

Exit mobile version