Menu
in

مشهد الصراع على العاصمة طرابلس: السياقات والمآلات   

تقييم حالة

شكل اجتماع الفرقاء الليبيين في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، بارقة أمل لبداية جديدة ومرحلة هامة لمعالجة الأزمات السياسية والأمنية، وتكوين إطار سياسي جامع بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، إذ وقع الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي، واعتبار مجلس النواب الجسم التشريعي الوحيد، وتأسيس مجلس أعلى للدولة منحت له بعض الصلاحيات التشريعية أو بمعنى أدق تقييد صدور بعض التشريعات إلا بالتوافق معه، وتشكل المجلس الرئاسي كجسم دستوري من رئيس وخمسة نواب وثلاثة وزراء للدولة.

في ذلك الوقت، كانت ليبيا تعيش حالة من الانقسام داخل معسكر فبراير الذي انشطر إلى معسكرين متصارعتين لكل معسكر منهما مشروعه السياسي المختلف وهما؛ مشروع الكرامة والمؤيدين لها، ومشروع فجر ليبيا وأنصاره، ناهيك عن أتباع نظام معمر القذافي، الذين لم يكونوا بمنأى عن الصراع والتنافس وبناء التحالفات، ونالهم أيضًا نصيب من التشظي والانقسام على ذاتهم.

تاريخيًا، تأسست ليبيا وافتتحت عهدها الأول بالاستقلال وبداية عهد النظام الملكي، ثم سيطرت سلطة سبتمبر من خلال الانقلاب على النظام الملكي، وبعد ثورة الشعب في فبراير انقسم الشعب الليبي إلى مؤيدين لسبتمبر ومؤيدين لفبراير وأنصارهما، ثم انقسمت فبراير إلى فجر وكرامة، وبالتالي أصبح في ليبيا مجلسان تشريعيان، وحكومتان، وجيشان، وميليشيات هنا ومليشيات هناك، ونواب مقاطعون للبرلمان، وأعضاء مؤتمر مقاطعون.

إذن، تحول الشعب الليبي إلى ضحية لهذا الانقسام، وأصبحت ليبيا ساحة للتدخلات الأجنبية التي لا يهمها الاستقرار بقدر ما يهمها دعم هذا الطرف أو ذاك، وأصبحت الأطراف المتقاتلة حاضنة للمقاتلين، وبيئة مناسبة للارتزاق من خلال ممارسة العنف لأغراض متعلقة، في الغالب، بالسلطة والثروة والنفوذ، فسادت حالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني، مما هدد مستقبل البلاد بشكل أكبر.

انقسم الليبيون في كافة المجالات السياسية والفكرية والإعلامية والعسكرية والنخبوية والشعبية، وزاد هذا الانقسام احتشاد الأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، وهي التي زادت الصراع اشتعالًا، وتحولت العاصمة طرابلس لمركز اهتمام تطمع فيه جميع القوى الساعية إلى السلطة والنفوذ والثروة، وتطمح للسيطرة عليها سواء في شرق البلاد أو في غربها.

وتجدر الإشار هنا إلى أن هذا الصراع والانقسام لم يكن مبنيًا على أسس أيديولوجية ولا هو صراع بين كرامة وفجر، ولا على أساس صراع نظام قديم ضد جديد، بقدر ما هو صراع على السلطة والنفوذ، والمعيار الوحيد في تشكل تلك التحالفات هو  اجتماع المصالح الخاصة التي تبتعد عن المصالح الوطنية للشعب الليبي.

  1. المشهد العسكري والأمني

دخل المجلس الرئاسي إلى العاصمة طرابلس، تحت حماية الكتائب المسلحة الداعمة للاتفاق السياسي، ووسط سخط المعارضين السياسيين والكتائب المؤيدة لهم. ومع هذا، لم يدم الوضع طويلًا، حيث بدأت الترتيبات الأمنية بتخطيط المنسق الأممي لبعثة الأمم المتحدة الضابط الإيطالي باولو سيرا، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه كان وراء سيطرة الكتائب المؤيدة والتابعة للمجلس الرئاسي على العاصمة طرابلس، في مارس 2017، وطرد الكتائب المعارضة للاتفاق السياسي.

فقد سيطرت الكتائب المؤيدة للوفاق على كامل مقرّات خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ، عدا مطار طرابلس الدولي، حيث كانت موجودة في العاصمة طرابلس آنذاك، أي كانت داخل طرابلس حكومتان بعد دخول السراج إلى العاصمة في مارس 2016.

وفي مايو 2017م، تمكّنت الكتائب الداعمة للسراج من طرد الكتائب الموالية لخليفة الغويل وسيطرت على مطار طرابلس الدولي، الذي يعد آخر مقراته التي كان يتمركز بها. وبذلك خرجت من العاصمة كل الكتائب الناقمة على السراج والرافضة للاتفاق السياسي.

أخذت الكتائب المسلحة الساخطة، والتي أُخرجت من طرابلس، تتحيّن فرصة الرجوع إليها، وحاولت عدة مرات، ونتج عن هذه المحاولات سقوط العشرات من الضحايا والخسائر في البنى والمباني الخاصة والعامة.

وزيادة على ذلك اتبعت الكتائب الموجودة في طرابلس أساليب لترسيخ نفوذها، فبالرغم من الاعتراف بقيام بعض من هذه الكتائب بدور هام ومفصلي في بسط الأمن ومتابعة المجرمين وإبعاد شبح الإرهاب عن طرابلس، إلا أن وتيرة اتهامها بالقيام بممارسات مخالفة للقانون قد ارتفعت.

اتُهمت هذه الكتائب من قبل الكثيرين، المعارضين لها والمتعاطفين سابقًا معها، بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من تعذيب وإخفاء قسري وقتل خارج سلطة القانون، وبنهب واستغلال المال العام، فضلًا عن ممارستها لعمليات ابتزاز للمسؤولين في الدولة، واحتكارها للعديد من التعيينات والمناصب، وأمام هذه الاتهامات التي لم تعرف حقيقتها ولا أبعادها ولا صحتها، إلا أن وتيرة السخط والاستيلاء من هذه الكتائب قد ارتفعت، داخل طرابلس وخارجها، وحذرت بعثة الأمم المتحدة من هذه الكتائب وممارساتها في بيان شديد اللهجة صدر قبل أسبوعين.

زاد التوتر في الأشهر الأخيرة من هذه الكتائب وكثر الحديث عن الحشود هنا وهناك، إلى درجة أن شركات الطيران أخذت الحيطة والحذر فكانت ترسل طائراتها إلى مدينة مصراته للمبيت ولا تأتي إلى مطار معتيقة الدولي إلا وقت الرحلات ثم تغادر، إلى أن أقفل المطار أمس نتيجة سقوط صواريخ على محيط المطار، لا يعرف مُطلقها ولكنه بالتأكيد حقق هدفه.

حانت الفرصة مرة أخرى للكتائب الحانقة على كتائب طرابلس أو “مليشيات الاعتمادات” كما يحلو لمعارضيها أن يسموها، فقد حدث صدام بين اللواء السابع “الكانيات” من مدينة ترهونة، وبعض هذه الكتائب في منطقة قصر بن غشير وسوق الأحد  (جنوب طرابلس)، وأدى ذلك إلى اشتبكات ومواجهات عنيفة ومعارك كر وفر عاشتها جنوب العاصمة، وقد شاركت في هذه المواجهات أغلب الكتائب التي لديها موقف عداء من الكتائب المتبقية داخل طرابلس، باستثناء بعض الكتائب التي لها امتدادات جهوية خارج طرابلس، مثال ذلك الكتيبة 301 من مصراتة، التي فضلت تجنب ذلك الصدام مع امتدادها، في حين لم تشارك كتائب تاجوراء، حتى الآن، في هذه الاشتباكات بالرغم من أنها قادت مواجهات سابقة ضد الكتائب الموجودة في طرابلس.

وأخيرًا، قام رئيس المجلس الرئاسي بوصفه القائد الأعلى للجيش الليبي فايز السراج بإصدار قرار يأمر فيه آمر المنطقة الغربية أسامة جويلي وآمر المنطقة الوسطى محمد الحداد بفض النزاع واسترداد المعسكرات إلى سابق عهدها، لكنه أخفق في سحب الشرعية من كل هذه الكتائب التي لا تأتمر بأمره، ولم يأمر بإعادة تشكيلها وتغيير قياداتها، لعل ذلك يخفف من حدة التوتر والغضب.

وإذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام من أن قوات البنيان المرصوص ستتوجه أيضا إلى طرابلس فإن بسط هذه القوات النظامية سيطرتها على المعسكرات، أقصد المناطق العسكرية وبمساعدة البنيان المرصوص، يمكن أن يشكل بارقة لضبط كل الكتائب المسلحة في العاصمة، ولربما المساهمة في حلها وإعادة تشكيلها دون اشتباكات أو في حدها الأدنى.

  1. المشهد السياسي والدبلوماسي

أخفق مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة طيلة السنوات الثلاثة الماضية في التوصل إلى أي مقاربة تخفف من حدة الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية والمالية، ولم يمنحوا حكومة الوفاق الثقة، وفق خطة تحاسب عليها وتسحب منها الثقة على أساسها. كما أخفقا في إصدار التشريعات المنهية للمراحل الانتقالية. وفي المجمل، لم يقوما بتطبيق بنود الاتفاق السياسي.

لابد هنا من الاستدراك والتأكيد أن نصيب مجلس النواب من هذا الفشل أكبر، باعتبار أدائه المخزي، ولأنه الجسم التشريعي الوحيد في البلاد، بينما كان أداء المجلس الأعلى أفضل بكثير إلا أن ذلك لا ينفي مسؤوليته عن هذا الفشل ولو بنسبة أقل.

وقد أصدر مجموعة من النواب الداعمين للاتفاق السياسي بيانًا طالبوا فيه بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي. وبموجب اتفاق مسبق على هذه الخطوة، أصدر المجلس الأعلى للدولة وتجمع مصراتة السياسي، بيانًا لكل منهما، رحبا فيه بما جاء في بيان أعضاء مجلس النواب الداعمين للاتفاق.

حصل كل ذلك تحت نيران الاشتباكات الواقعة في جنوب طرابلس، مما قُرئ على أنه تغطية سياسية لهذه الاشتباكات، ولكنها أخطأت التوقيت فجاءت في وقت قاتل. كما أن بيان أعضاء مجلس النواب الداعمين للاتفاق لا قيمة قانونية له، إلا إذا صدر عن مجلس النواب ككل، وبالطريقة المنصوص عليها في الاتفاق السياسي المذكور وهذا بعيد المنال.

  1. المشهد الاجتماعي

لم يهتم الرأي العام في طرابلس بلعب أي دور في تغيير واقع الصراع والتنافس السياسي والعسكري، فلم يتبلور الموقف الشعبي بعد سنوات الحرب والفوضى الأمنية، ولم يكترث الشعب لأي طرف، بل ساوى بين القوى المهاجمة والمدافعة، وانشغل في المطالبة بحل مشاكله المعيشية، ومعالجة اختفاء السيولة، وضعف الخدمات العامة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات الصحية والتكاليف التعليمية، ويحلم بتحسين وتوفير هذه الخدمات، وتوفير فرص للعمل.

إن رغبة الشعب الليبي تتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار، وتوحيد سلطة الدولة، وبناء مؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، وبكل تأكيد لتحسين أوضاعه المعيشية بعيدًا عن الاقتتال الطويل في العاصمة وجميع أنحاء ليبيا.

ولأن كل طرف من الأطراف السياسية والميلشياوية كان هدفه كسب القاعدة الشعبية داخل طرابلس، ليس بحديث الأمن والاستقرار والبناء والتعمير وتوفير الخدمات وكيفية حل مشكلة السيولة، ولكن بإثارة الشائعات والأخبار المفبركة، كأخبار القصف الجوي الذي كذَّبه المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان العامة والجوية، فكانت تلك الشائعات بهدف تحريك الحواضن وإثارتها والتأثير على موقفها ليكون دورها مرجِحًا لطرف دون سواه.

وحتى باستخدام القصف العشوائي لينتج عنه ضحايا من المدنيين والأبرياء تساهم في التعاطف مع هذا الطرف أو ذاك، كالذي حدث في بعض مناطق طرابلس ونتج عنه سقوط ضحايا مدنيين، وبناء على هذا كله، فقد الشارع الطرابلسي خاصة والليبي عامة، ثقته في جلّ اللاعبين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين، فهو لم يرَ من صراعهم إلا مزيدا من المعاناة وتعكير صفوه.

وبسبب الصراعات السابقة تحولت العاصمة إلى ملاذ آمن لعدد كبير من أبناء المناطق والمدن التي شهدت تلك الصراعات، مما زاد  من الضغط عليها في الخدمات وزادت معاناة ساكنيها.

إذن، لقد أفرز التنافس والصراع السياسي والعسكري سواء بين السياسيين أو بين الميليشيات حالة من الاستياء لدى سكان طرابلس، وصل حد مطالبتهم بنقل العاصمة إلى مكان آخر؛ لأن ذاك الصراع هو صراع على النفوذ والسلطة وليس على طرابلس بذاتها.

كما أن الإصلاحات الاقتصادية التي كثر الحديث عنها، وماطلت الأطراف المعنية في إصدارها وتبادلوا الاتهامات بشأن من يعرقلها، بل وخرجت للإعلام ولم تتمكن المجالس الثلاثة، المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى مصرف ليبيا المركزي، من تفعيل هذه الإصلاحات، لأسباب متعلقة بتعطل الدولة وأجهزتها والتعذر بعدم وجود تشريع يجيزها، ورمى كل طرف الكرة على الآخر، والشعب بينهم يتفرج على هذا العبث، وهو يعاني الأمرين بالوقوف في طوابير المصارف، ويعاني من قلة ذات اليد، وزادت الحالة الأمنية والاقتتال المستمر في ليبيا وفي العاصمة من قلقه.

هكذا، خسرت القوى السياسية والكتائب المسلحة أي تعاطف من الليبيين عامة، وسكان العاصمة خاصة، إلى الحد الذي لم يخرج في المظاهرة التي دعت لها بعض القوى المدنية الوطنية البارحة 31 أغسطس 2018، للمطالبة بوقف الاقتتال، سوى بضع عشرات من المواطنين فقط، وكأن لسان حالهم يعبر عن مقالهم، أن لا تعاطف مع الكتائب أيًّا كانت ومها كانت تبعتها، وهو بذلك يرسل رسالة مفادها أن لا اعتبار إلا للمؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية، ويعلن بذلك أنه يطالب بـ  “مرحلة ما بعد المليشيات”.

  1. الموقف الإقليمي والدولي:

انهار نظام معمر القذافي بدعم عسكري جوي من حلف شمال الأطلسي “الناتو” للثورة، وهو ما عدّه الكثيرون تدخلا مباشرا للدول الغربية في شؤون ليبيا ومصالحها، وبالتالي أصبحت ليبيا ساحة صراع إقليمي في البداية، ثم تطور لاحقا إلى دولي، حين حصل الاحتكاك الفرنسي الايطالي مما إدى إلى دخول الولايات المتحدة على الخط.

أصبح من الضروري على هذه الدول أن تبحث عن حل بدلا من انحيازها للأطرف المتصارعة، وهذا ما ساهم في إنتاج اتفاق الصخيرات، وتزايد الاهتمام بالمشكل الليبي بتعيين مبعوثين دوليين، واهتمام إعلامي وسياسي وأمني واضح من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي ومصر وتونس بحل الأزمة الليبية سياسيًا بعد أن فشلت المحاولات العسكرية، إذ صدرت عدة بيانات من بعثة الأمم المتحدة تدعو الفرقاء للاتفاق، وحل الأزمة بالحوار الجاد في ظل الإطار الوحيد للحل وهو الاتفاق السياسي الليبي، وهذا ما رشح عن مؤتمر باريس الأخير قبل التطورات الأخيرة التي شهدتها العاصمة.

إزاء ما حدث في العاصمة مؤخرا، تطور الموقف الدولي من قلق إلى إدانة ثم المطالبة بوقف إطلاق النار، فقد أصدرت بعثة الأمم المتحدة بيانات متصاعدة في اللهجة بدأ بالمطالبة بضبط النفس، وتطور إلى الإدانة الصريحة دون أن يحدد طرفا بعينه ولكنها شملت كل الأطراف، ثم عبَّر البيان المشترك الصادر عن السفراء والقائمين بأعمال دول فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن القلق العميق من أي تصعيد مطالبًا بضبط النفس، وأكد دعمه لجهود المبعوث الأممي غسان سلامة. لكن اللافت للنظر أن بيانات البعثة ذكرت حكومة الوفاق ولم تذكر المجلس الرئاسي، بينما لم يرد ذكر المجلس الرئاسي والاتفاق السياسي في بيان السفراء بالمطلق.

  1. السيناريوهات والمآلات:

لم تحدد القوى المهاجمة على العاصمة طرابلس هدفها التي تريد تحقيقه من الاشتباكات والقتال الميداني خلال الأيام الماضية، عدا أنها تتهم الكتائب الموجودة داخل طرابلس بالتهم المذكورة أعلاه. فهل هذه هو الهدف أم أن السلطة والنفوذ والحضور في العاصمة هو هدفها غير المعلن؟ أم أن هدفها يتجاوز ذلك؟

ووفق تلك السياقات والمعطيات، فإن السيناريوات التي يمكن توقعها هي:

  • السيناريو الأول: بقاء الحال على ما هو عليه، وسيكون ذلك استمرارا لحالة القلق إلى حين إعادة الهجوم على العاصمة من جديد، وهذا خيار غير متوقع.
  • السيناريو الثاني: اتخاذ حكومة السراج قرارات جريئة بإعادة تشكيل الكتائب المسلحة وقياداتها التي تتبع الوفاق بالاسم دون الفعل، ولا تأتمر بأمر الجهة التي تتبعها، أو حتى سحب الشرعية منها ومحاسبة تلك القيادات المتهمة بأنها ارتكبت جرائم وانتهاكات متعددة. ورغم أن هذا يخفف من الاحتقان في الجانب العسكري إلا أن هذا لا ينهي الانقسام ولا يحقق الهدف السياسي، وقد انطلق من عقاله، إلا إذا تعذر اتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة. وبالتالي، تكون الكرة من جديد في مرمى البعثة الأممية وهي تسير بسرعة السلحفاة وعاجزة حتى الساعة.
  • السيناريو الثالث: سيطرة هذه الكتائب المهاجمة على العاصمة، والانقلاب على الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري وإصدارها إعلانا دستوريا جديدا، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول ويزيد الانقسام بين المناطق التي يسيطر عليها حفتر والمنطقة الغربية، إلا إذا جرى الاتفاق مع حفتر وبرضى كتائب مصراتة والزنتان، وهذا خيار محتمل ولكن احتمالاته ضعيفة.
  • السيناريو الرابع: أن تتمكن الميليشيات المهاجمة من السيطرة على العاصمة والاعتراف بالاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، وتطالب المجلسين (النواب والدولة) بسرعة إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والمناصب السيادية المذكورة في المادة (15). وهذا يتطلب توافقا لن يمرّ إلا برضى خليفة حفتر، لأنه يملك الضغط على مجلس النواب.

لن تتوقف حالة الفوضى والعبث في العاصمة وليبيا إلا بأن يعي الجميع أن من مصلحتهم الخاصة والعامة قيام الدولة ومؤسساتها، ولو قُدّر وحُسم الأمر في هذه الجولة بين الأطراف المتناحرة، فإن المشهد مرشح لمزيد من الخلاف والاقتتال بين القوى المنتصرة، إن صح التعبير، فظاهرة التشظي في الحالة الليبي ماثلة للعيان، وطالت كل الأطراف، وستستمر وتتكرر وتدمر في طريقها الوطن والمواطن ما لم تُبنَ مؤسسات الدولة على أسس وطنية ومهنية.

الكاتب: عبدالرزاق العرادي

أُترك رد

Exit mobile version