Menu
in

حفتر و”العواقير”: الأرباح العاجلة والخسائر الآجلة

في العموم، وفي كل الدول ذات التركيبة الاجتماعية المشابهة، فإن جلّ زعماء القبائل يجنحون للسلم مع الحاكم النافذ.

 

وبالنظر إلى الحالة الليبية فقد خضع شيوخ البيوتات المعروفة لهرم السلطة التنفيذية ولم يناكفوه خلال عقود لحقهم هم وأبناؤهم وأقرب أقاربهم فيها بالجور، ولذلك أسبابه التي يختلط فيها الوطني بالمصلحي.

 

جُل شيوخ قبيلة العواقير انطبق عليهم هذا التوصيف في السابق، وينطبق عليهم في الحاضر وفي اللاحق، وما يمكن وصفهم بالمتمردين أو الخارجين عن هذا المسار من أبناء القبيلة قلة قليلة هم أقرب في أعمارهم إلى الشباب منهم إلى الشيوخ.

 

الشواهد تدلل على أن الأغلبية من شيوخ قبيلة العواقير وتبعهم في ذلك جمرة من الكهول والشباب، اصطفوا إلى جانب حفتر في مواجهته مع الجناح المتمرد من القبيلة، الذي يتزعمه النقيب فرج اقعيم، وكيل وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وأحد القادة الميدانيين لعملية الكرامة.

 

والحقيقة أن اقعيم ورط القبيلة وشيوخها ووضعهم في تحد لا قِبَل لهم به، وهو ما دفعهم للاعتذار أمام الملأ عما قاله في حق قائد عام الجيش التابع للبرلمان، وهم مستعدون لفعل أكثر من ذلك لاحتواء التوتر.

 

فقد انتقل اقعيم من المناورة وتوظيف خلافه مع حفتر في تحقيق مكاسب هنا وهناك إلى القطيعة الكلية بطلب إقالته من منصبه بعد اتهامه مباشرة بأنه خلف كل مسلسل الاغتيالات القديمة والحديثة التي شهدتها بنغازي.

 

اقعيم لم يدرك أن القبيلة تفكر بشكل مختلف، فالعواقير في وضع جيد جدا برغم الضغوط التي مارسها حفتر، فهي المتحكمة -من خلال أبنائها- في أهم المؤسسات الاقتصادية والأمنية في بنغازي، فإن التدخل في معركة كسر عظم مع حفتر حسب ما طلب اقعيم هذا يعني ليس فقط حرمانها من الامتيازات، بل فتح باب جحيم ستكون خسائره في الأرواح أضعاف أضعاف ما خسرته في حرب الكرامة.

 

وستجد القبائل التي ليست على وفاق تام مع العواقير، خاصة الصغيرة منها، الفرصة في النيل منهم في معركة ستكون شرعية باعتبار أنهم يساندون القائد العام للجيش التابع للبرلمان، والشخصية الأكثر نفوذا في البلاد.

 

علاوة على الاعتذار، فإن أكثر ما يستطيع فعله شيوخ القبيلة هو التخفيف من حجم الإذلال بحماية أبنائهم من الاعتقال، أو تعرضهم للتعذيب، وقد يضطرون لقبوله إذا استمر التوتر، مقابل ألا تمس مصالح القبيلة ومكانتها السياسية والاجتماعية.

 

ويمكن أن يفسح حفتر المجال لمزيد من النفوذ “العقوري” في بنغازي، ولكن من خلال شخصيات موالية.

 

حفتر يدرك الوضع الحرج الذي هو فيه، وأن درس الإخضاع بالقوة لبعض الأجنحة التي كانت مؤيدة وتظهر اليوم تململا ضروري في المرحلة الجديدة من مشروعه، كما يعلم تماما نقاط ضعف خصمه والخاصرة الرخوة في القبيلة.

 

ولهذا، أقدم على توجيه ضربة عسكرية لقعيم وأنصاره، بعد أن ضمن تأييد أو حياد الجمهرة الأكبر من العواقير في مختلف مناطقهم.

 

ولا شك أن المناصرين لحفتر من الفاعلين في القبيلة كانوا ضمانة كبيرة لنجاح خطة تحجيم اقعيم، وهم من أقنع غيرهم من الشيوخ بخطورة متابعة “شاب متهور” على القبيلة وعلى الشيوخ أنفسهم.

 

ومع طي ملف متمردي العواقير مؤقتا، وذلك على أيدي القبيلة، يكون حفتر قد أمن القلاقل في بنغازي إلى حين، وذلك في حال نجحت ضغوط حفتر في تفكيك القنبلة الموقوتة التي يشكلها اقعيم خاصة فيما يتعلق بملف الاغتيالات التي تحدث عنها العام الماضي، ونتائج تحقيقاته، بصفته وكيل وزارة داخلية الوفاق المعترف بها دوليا، في حادثة تصفية 37 شخصا وجدت جثثهم ملقاة في منطقة الأبيار.

 

تذكرني أزمة العواقير مع حفتر والجناح المتمرد عليه بما عُرف بانتفاضة أكتوبر عام 1993، التي تمرد فيها ضباط وجنود من الجيش، معظمهم من قبيلة “ورفلة”، على القذافي في محاولة لإسقاطه عبر عمل عسكري خاطف.

 

فقد نجح القذافي في احتواء تداعيات المحاولة بالضغط على القبيلة من خلال أذرع “ورفلية” شديدة الولاء له، ونجح في الانتقام من المتورطين بإعدامهم وحرق وتدمير بيوتهم دون أن يكون هناك ردة فعل تذكر.

 

إذا، كانت الجولة الأولى للصراع لصالح حفتر بامتياز، لكن بالقطع سيعمل حفتر على استكمال عملية الالتفاف على اقعيم؛ لمنع توظيفه في ملف محكمة الجنايات الدولية كونه ربما يمسك بأوراق مهمة في قضية الاغتيالات والقتل خارج القانون.

 

خصوصا أن الملف قابل للاستخدام دوليا، وهو ما أكدت عليه تصريحات أعضاء مجلس الأمن في جلسة الاستماع الخاصة بالملف الليبي الأيام القليلة الماضية.

 

ولا يفوتني التنبيه إلى أن انتصار حفتر في الجولة الأولى لم يكن من دون خسائر، فالمواجهة التي وقعت تعني أن حفتر يفقد السند الاجتماعي العريض الذي حظي به مع إطلاق عملية الكرامة، والذي كان غير محدود ولا مسبوق، وهو بالتالي سيتجه إلى فرض هيمنته بالضغوط وإخضاع الجمهور من خلال سياسة العصا والجزرة وعبر أذرع قليلة في العدد، لكنها شديدة الولاء له.

 

الأمر الذي سيجعله في مواجهة مؤجلة مع أعداد متزايدة من أنصاره البرقاويين.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version