Menu
in

الملف الليبي من الأُصلاء للوكلاء

طبيعي أننا اليوم — كليبيين —  لسنا الأُصلاء من الناحية الواقعية والتطبيقية فيما يخص ملف الأزمة السياسية الليبية، أمر مؤسف حقًا بل ومخزي، أن نبقى متفرجين، ومنفذين لما يحمله المعول من تعليمات لهدم وطن ضحى لأجله الآباء والأجداد،  لكن من هم الوكلاء، ومن هم أصحابه الأُصلاء حتى وإن كنا بمنأى عن قضيتنا الوطنية، فما هو دورنا؟ وما الذي ينبغي علينا اتخاذه حتى نمسك بطرف من أطراف ملف قضيتنا، له أن يخلق شيئًا من التوازن بيننا .

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نستذكر الأيام الأُول لثورة السابع عشر من فبراير، وتحديدًا تلك التي تم فيها تدويل ثورة الشعب الليبي من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970،والذي صدر بتاريخ 26 فبراير 2011م، أي أنه اتخذ بعد عشرة أيام من اندلاع الثورة، وهو ما يؤكد اهتمام المجمع الدولي بالحدث وتوظيفه، ومن الطبيعي أن تكون خيوط اللعبة لدى اللاعبين الكبار الذين يضعون أيديهم على مداخل ومخارج القاعة الدولية، فقد اُخذ القرار 1970 بالإجماع، ولم تعترض أي من الدول الخمسة عشرة أو تمتنع عن التصويت، ولو في إطار المجاملة السياسية،

خاصة الدول العشر غير دائمة العضوية، منها دولة لبنان العربية — التي تصدرت مشروع القرار بإيعاز من الجامعة العربية — وثلاث دول من قارة إفريقيا التي يحظى فيها معمر القذافي بنفوذ وهيمنة كبيرين، وهي جنوب أفريقيا، والغابون، ونيجيريا، و دولة الهند أحد مؤسسي دول عدم الانحياز، والبرازيل وكولومبيا،من قارة أمريكا الجنوبية، ومن قارة أوربا، البوسنة والهرسك، وألمانيا، والبرتغال.

من خلال هذه التركيبة الدولية وهذا الإجماع على القرار يتبين لنا أن ثمة إرادة أقوى من فرضيات العدد والتصويت بأخطر قاعة يتخذ فيها القرار على مستوى العالم، وهى قاعة مجلس الأمن الدولي، حيث تضمن القرار فرض عقوبات دولية علي رأس هرم السلطة في ليبيا، معمر القذافي، وأبنائه، وبعض المقربين والنافذين، وذلك بحظرهم من السفر، وتفويض المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات القذافي ضد المدنيين، وتجميد الأصول الليبية بالخارج، وحظر تصدير الأسلحة لسلطة القذافي، ولم يشر القرار لاستخدام القوة بشكل صريح أو ضمني .

تداعت الأحداث بشكل لافت للنظر  فقد كان للجامعة العربية دورٌ كبيرٌ في الاستئناس بتسريع وتيرة إصدار القرار عبر “نواف سلام” مندوب لبنان، الدولة العربية الوحيدة بمجلس الأمن حينها، لم يحظ القرار بإجماع المصوتين كسابقه، فقد امتنعت عن التصويت خمسة دول، هي روسيا والصين والبرازيل والهند وألمانيا، منها ما هو في صورة المجاملة السياسية، ومنها ما كانت له مصالحه الخاصة وتخوفاته المنظورة، ومما يدلل علي تسارع وتيرة الحدث صدور القرار الثاني بعد ثلاثة أسابيع من صدور القرار الأول، اعترضت عليه روسيا بشدة وجاء ذلك على لسان رئيس وزرائها ” فلاديمير بوتن” وكذلك على لسان وزير خارجية ألمانيا، ومع شدة معارضة روسيا للقرار يظل استغراب البعض مشروعًا في عدم استخدامها لحق النقض “الفيتو” غير أن شبكة العلاقات الدولية وما يرتبط بها من مصالح ودوائر نفوذ تبقى مظلة لبعض التفسيرات.

استدرك مجلس الأمن مسألة تخويل المجتمع الدولي استخدام  القوة لحماية المدنيين، مؤكدًا على عدم التدخل بمسألة إجبار القذافي على التنحي عن السلطة أو تنحيته باستخدام القوة.

صحيح أن الدول النافذة والمتنفذة لم تشر بشكل صريح وواضح لاقتلاع القذافي من السلطة، لكنها لجأت إلى تقليم مخالب النظام، وتهذيب أنيابه، من خلال إضافة عبارة ولو أدى لاستخدام القوة لحماية المدنيين من قوات القذافي، كان هذا أحد المداخل، وشل حركته الاقتصادية، ممثلة في تجميد أصول مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والتأكيد على مضمون القرار 1970،  وتوسيع دائرة الحظر والعقوبات، وحصر نشاط القذافي داخل ليبيا والتضيق عليه من خلال منع إقلاع وهبوط أي طائرة عسكرية أو تجارية إلى ليبيا، ومطالبة القذافي بوقف النزاع وإطلاق النار، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وعدم التعرض لها .

لسنا بحاجة اليوم للاسترسال بمجريات الأحداث وهى طويلة وشائكة سمتها التداخل والتعقيد، لكننا نشير إلى تخبّل ملف الخلاف السياسي الليبي بشباك أهواء بعض الساسة الليبيين، وغرابة مطالبهم المناطقية والجهوية والشخصية، ومخالفتهم منطق الحل، وإن لم يكن مستهدفًا لديهم، ولا ذا قيمة تذكر عندهم، وطال العبث السياسي التكتلات والأشخاص، وتصرفوا وكأن ليبيا جزيرة منعزلة عن العالم القريب والبعيد، وفتحوا الباب على مصراعيه للتدخل الإقليمي والدولي، بل كان بعضهم يستقوي بالخارج ويمنحه التسهيلات العلنية، وأصبحت القضية الليبية مذبذبة بين أطراف محلية، ومبعثرة بين أخرى دولية، بعلم متصدري المشهد، وهم يرون الخارج يأتِ على ليبيا ينقص من أطرافها، ويلعب بوسطها، دون أن يحرك ذلك الحس الوطني بعروق بعض من يتصدرون المشهد، حتى ضاق العالم بهم ذرعًا، فسحب البساط من تحت أقدامهم، ويُرفع عنهم خيار القرار، مباشرة مع المبعوث الدولي الجديد غسان سلامة، واحتفاظ الأمين العام للأمم المتحدة بصنجة الميزان الخاصة بالجسم المحير الذي جاء بخارطة طريق سلامة وهو المؤتمر الوطني العام، الرقم السحري بالخارطة، ومنه سيتولى الوكلاء دور الأصلاء، والذين ستكون شراكتهم أقل قوة من سابقيهم، وبالتالي ينتهي التعنت والتسويف والمماطلة، وعدم التعامل مع الملف بنظرية المزاج والهوى التي اتخذوها طيلة فترة الحوار، وهو ما سيثبته أو ينفيه قادم الأيام.

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

المصدر: موقع ليبيا الخبر

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version