بعد نيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الثقة من مجلس النواب الليبي في مدينة سرت بأغلبية مطلقة، وعد السيد رئيس الحكومة الليبين بمناسبة هذه اللحظة التاريخية بإبعاد شبح الحروب و الاقتتال والانقسام الحكومي والإداري، ساعيا أن تكون تشكيلته الحكومية خالية من الشخصيات الجدلية، وأن تستطيع العمل من كل المدن الليبية، بعيدا عن الاستقطاب الحاصل قديما وحديثا؛ بسبب العدوان الأخير على طرابلس.
ماالذي أدى إلى حدوث الانقسام المؤسساتي…
عقب انتخاب البرلمان عام 2014 حدث إشكال دستوري حول مكان انعقاد مجلس النواب، مدينة بنغازي التي كانت المقر الدستوري لانعقاد جلسات المجلس، بحسب مقترح لجنة فبراير، والمضمن في الإعلان الدستوري من قبل المؤتمر الوطني العام ( البرلمان الليبي السابق)، كانت تعاني سوءا في الأوضاع الأمنية؛ بسبب حرب ضروس بين قوات الكرامة وقوات مجلس شورى ثوار بنغازي، أدى هذا الوضع بلجان التسليم والاستلام بين المؤتمر الوطني العام والبرلمان المنتخب للدعوة لانعقاد البرلمان في مدينة طبرق 450 كيلو متر شرقي بنغازي وهذا ما تحجج به بعض البرلمانيين حول صحة دستورية انعقاد الجلسة، ومقاطعة البرلمان بشكل كامل.
حدث هنا للمرة الثانية الانقسام البرلماني بعد شرخ حصل من خلال تعليق أكثر من 90 عضوا في المؤتمر الوطني العام عضويتهم؛ بسبب ما أسموه سيطرة الإسلاميين على قرارات المؤتمر الوطني، ودعوا لتسليم السلطة للبرلمان المنتخب في 2014 ولإتمام التداول السلمي على السلطة، هذا الانقسام البرلماني كان سببا في صياغة ما عرف باتفاق الصخيرات 2015 وميلاد المجلس الأعلى للدولة وتمديد عمر البرلمان ، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
ما هو عمق الانقسام الحكومي؟
حتى إعلان حفتر عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس كان حفتر يسطر شرقا، والسراج يسيطر غربا، و الجنوب دون سيطرة واضحة من أي طرف، كان حفتر مدعوما بقرار من البرلمان عام 2015 بتعيينه قائدا عاما للجيش الوطني الليبي، بينما انتقص من شرعية السراج بعض الشيء عدم منحه الثقة من قبل ذات المجلس برئاسة عقيلة صالح، هنا حدث الاستقطاب السياسي الأكبر، فحفتر يرى أنه يحمي بيت المال والسياسة دون أن يكون نجم الحفلة، لذا استغل ما أتيح له من ظروف إقليمية ودولية، وأعلن غارة على طرابلس انتهت عسكريا بفشل ذريع.
على مستوى الخدمات الحكومية كانت الإدارة العليا والسيادية حكوميا لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج شرقا وغربا وجنوبا، بينما كانت حكومة الثني لا تحظى بأي قبول أو اعتراف لا محليا ولا دوليا، فمثلا يتبع رجال الأمن والداخلية ماليا وإداريا وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، ولا تؤثر من قريب ولا من بعيد قرارات أبوشناف وزير داخلية الثني، كما أن التمثيل الخارجي الرسمي والدبلوماسي هو حكر على خارجية الوفاق، ناهيك عن اعتماد السفراء وتعيين ممثلي الدولة الليبية في الخارج.
ولعل أبرز وأوضح الأمثلة على سطوة حكومة الوفاق إداريا هو ارتباط منظومة إصدار الأرقام الوطنية وإصدار جوازات السفر مع داخلية الوفاق، كذلك سريان قرار فرض رسوم على شراء النقد الأجنبي – الذي أقرته حكومة السراج 2018 – على كامل التراب الليبي وكل المصارف الوطنية بما فيها الموجودة في المنطقة الشرقية والتي من المفترض أن تتبع حكومة الحكومة الموقتة برئاسة عبد الله الثني والتي لم تُصدر أي قرار بالخصوص.
إضافة لصدور المرتبات من مالية الوفاق وورود أموال بيع النفط وضريبة شراء النقد الأجنبي لذات الخرانة رغم محاولات الثني المضنية للحصول على التمويل عن طريق قروض تعطى كدين عام من المصارف.
الخلاص من الانقسام…
إن الانقسام البرلماني هو السبب الرئيس في ولادة باقي الانقسامات الأخرى التي أتت تباعا وهي الانقسام العسكري والحكومي الخدماتي، ولعل السبيل الأخير لإنهاء الانقسام المؤسساتي هو إجراء الانتخابات البرلمانية في أسرع وقت مع قاعدة دستورية صلبة متفق عليها من أغلب الليبيين، دستور يراعي حالة الدولة الآن، ولا يلتفت للمثالية، فكل اقليم يستعد للانفصال، ويمتلك الحلفاء والداعميين الإقليميين لهذا، وكل مدينة وقبيلة بما لديهم فرحون.
إن حدث وأُنجز هذا الدستور وقانون الاقتراع عليه، الدستور ثم انتخابات برلمانية سيكون هذا هو النهج الطبيعي لبناء الدولة، وعلى المخالفين تحمل العواقب.
المشكلة الصريحة لا زالت في البرلمان الحالي، فبغض النظر على أن تركيبته كانت من أعضاء انتخبوا فرادى (دون أحزاب وتكتلات) ما أدى إلى تحولهم من نواب للأمة إلى نواب عن قراهم ومدنهم وقبائلهم، فهو يعاني من انقسام شديد حتى بين البرلمانيين أنفسهم، فجزء لابأس به لم يحضر لسرت ولم يمنح الثقة لحكومة الدبيبة، وهذا البرلمان الحالي سيكون مطلوبا منه اعتماد ميزانية الحكومة، وتعيين حكومة تسيير أعمال في حال إخفاق حكومة الدبيبة في الوصول إلى الانتخابات في موعدها المحدد بتاريخ 24 ديسمبر لهذا العام، علما بأن هناك أكثر من سبعين عضوا برلمانيا أعلنوا إعطاء اصواتهم لحكومة الدبيبة لكي تنال الثقة حتى قبل أن تخرج التشكيلة الحكومية من جيب رئيس الوزراء في تصويت غريب وغير منطقي.
وفي اعتقادي أنه مع مثل هذا الشخصيات والاستقطاب بين برلمانيين في حال فشلت حكومة الدبيبة في تحقيق هدفها فإن كل ما سعت إليه من لملمة للانقسام سيعود أنكى من الماضي استقطابا وانقساما، لذا فعلى المهندس الصبور على ملاحظات النواب البيزنطية أن يتحلى بصبر أكبر وأكبر من أجل إرضاء الجميع محليا وخارجيا وتوحيد اللليبيين خلف دولة المؤسسات المدنية الموحدة بالسير على خارطة طريق تنهي تواجد هكذا برلمان أدى بنا لتجرع المر مرارا.