الاستقالة الجماعية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الزاوية الغربية أعادت الحديث عن جدوى وجود الجماعة في ليبيا كتنظيم، وحقيقة الدور الذي تلعبه.
المصرّون على شيطنة الجماعة يعتبرون حلّ الجماعة مناورة جديدة في ميدان السياسية، فهو إجراء تنظيمي لا يعني التخلي عن الفكر والأيدولوجيا، وهذه النظرة مبنية على عدم معرفة بفكر الجماعة وتاريخها، وإذا كانت الجماعة في أساسها فكرةً إنسانية فهي بلا شك تنمو وتتحرك متأثرةً بحركة المجتمعات وتطورها، وهي في سبيل ذلك ينبغي عليها أن تطور من فكرها وأدواتها وأساليبها، والمأمول من كل من يتخذ موقفاً من فكر الجماعة وأدبياتها أن يدرسها ويعرف ما مرّت به من أطوار تأثرت بظروف بيئتها والأحداث التي صاحبت ذلك.
وبعيداً عن الحديث المتأثر بالدعاية المضادّة للجماعة والتي تشيطنها وتضعها في سياق لا ينطبق على أدبياتها وفكرها، فإن تقييم جماعة الإخوان المسلمين الليبية يقودنا إلى النظر في مرجعية عملها داخل البيئة المحلية ومدى تأثيرها في واقعها، وهل استطاعت الجماعة فعلاً أن تكون حاضرةً في أيٍّ من نواحي المشهد الليبي، ولماذا هذه المماطلة التي أدت إلى تجميد قرار حلِّها، وهو ما دفع بعض الأعضاء إلى الاستقالة من الجماعة تحقيقاً لما كانوا يأملونه من حلّها الذي عُطّل.
وقبل محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات يجب الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لازالت تعمل في تكتم وعدم وضوح مما يجعل تقييم أدائها مقصوراً على الظاهر منه وهو قليل جداً.
لقد حظيت الجماعة بعد ثورة فبراير بفرصة كبيرة للانفتاح على المجتمع وعرض أفكارها بشكل واضح وصريح، إلا أن هذه الفرصة أُهدرت، وسرعان ما نجحت الدعاية المضادة في تقوقع الجماعة وانطوائها على نفسها، ولم تستطع تغيير الصورة النمطية السائدة عنها، بل ترسخت بشكل أشد قتامةً وتشويهاً.
ولعل السبب في هذا الفشل يرجع إلى فقدان الجماعة للمرجعية القادرة على القيادة وبناء الرؤية الواعية والمدرِكة لواقعها وآليات التعامل معه، كما أنّ غياب المرجعية خلق حالة من الاضطراب والتخبط في الأداء السياسي للجماعة، كاد أن يودِي بدور الحزب الذي اعتبرته الجماعة مشروعها للشراكة الوطنية على الصعيد السياسي، حيث تعرض الحزب لحرب ضروس من طيف واسع داخل الجماعة؛ بسبب تمسكه بالحوار كتوجه إستراتيجي في الأزمة السياسية.
أيضاً فإن ضعف المركزية التنظيمية داخل الجماعة أدى إلى غياب الموقف الرسمي والواضح للجماعة، وأتاح الفرصة أمام خصومها ليجعلوها الشمّاعة التي تعلّق عليها كل أخطاء المرحلة بكافّة تَبِعاتها، كما أن ضعف المركزية التنظيمية لم يكن سبباً في ضعف مواقف الجماعة فحسب، بل أدّى إلى خلق كوادر داخلها لا يفقهون في فكرها وأدبياتها شيئاً، ويقف أحدهم عاجزاً أمام هجوم التيارات الفكرية المعادية لجماعته لا يستطيع أن يدافع عن الفكر المنتمي إليه والمؤمن به.
وهو ما أدّى أيضاً إلى غياب الجماعة عن المجال الدعوي بشكل شبه تام، في حين تشهد تيارات متطرفة نشاطاً واسعاً، وتعصف بالشباب أفكار تصادم عقيدته وتحاصره تساؤلات لا يسعفه الخطاب الدعوي المبني على عاطفة التدين بالإجابة عنها.
عجز الجماعة كان حاضراً أيضا في أدواتها المجتمعية، فلم تستطع إبراز قيادات تنهض بالعمل النقابي والمجتمعي الذي كان ولازال ضعيفا أو غائباً عن المشهد الليبي، وفرص النجاح فيه متاحة بشكل كبير.
من خلال هذه الأسباب يمكن القول إن بقاء الجماعة بهذا التنظيم العاجز هو حكم عليها بالجمود، وجعلها ذريعة لمشروع تدوير الاستبداد ليبرر من خلال تكتمها نهج العسكرة والعنف.
إن حلّ الجماعة ليس تخلياً عن الفكر أو كفراً به، بل ينبغي أن يكون البداية لمراجعته ضمن سياق الواقع، وصياغته في إطاره المجتمعي بانفتاح ووضوح، ضمن آليات تلبّي حاجات هذا المجتمع وتنسجم مع خصائصه، وتحاول بناء كوادرها في هذا الإطار وبهذه المرجعية الواضحة والمعلنة، أما اعتبار حل الجماعة انسلاخاً من الفكر وتخلياً عنه، فهو نظرٌ قاصر لا يتجاوز التمسّك بالقشر الذي ضاع لُبّه.