تعاني المدن الليبية منذ سنوات من انقطاعات متكررة للكهرباء، وطرح يومي للأحمال الكهربائية يتخلله إظلام تام بين حين وآخر، وفي الوقت الذي تشتكي الشركة العامة للكهرباء من التعديات على محطاتها وخطوطها وقلة الموارد، وعدم عودة الشركات الأجنبية لاستكمال إنشاء المحطات ـ يُحمّلها ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية الشركة مسؤولية التقصير والإهمال والتأخر.
تتولى التزويد بالكهرباء في ليبيا الشركةُ العامة للكهرباء (Gecol)، وهي شركة حكومية أنشئت في العام 1984م لتنفيذ المشاريع في مجال تشغيل شبكات الكهرباء ومحطات إنتاج الطاقة وما يتصل بها من محطات توزيع وتحويل وخطوط نقل الطاقة.
وأوردت هيئة الرقابة الإدارية في تقريرها عن عام 2018م ملاحظات عن الشركة، أبرزها إهمال إدارتها لصيانة بعض المحطّات التي صارت لا تعمل بقدرتها الإنتاجية الكاملة.
وأشار تقرير ديوان المحاسبة إلى وجود انحرافات وإهمال وقصور في إدارة تشغيل المحطات القائمة، وسوء توجيه موارد الشركة ومخصصاتها، وهو ما أدى إلى فقدان 2700 ميغاوات في 54 وحدة توليد بمحطات الرويس، والخليج، والخمس، والزاوية، وجنوب طرابلس، وغرب طرابلس، ومصراتة.
وتبلغ القدرة الإجمالية لمحطة الرويس 156 ميغا، والخليج 1400 ميغا، والخمس 600 ميغا، والزاوية 660، وجنوب طرابلس 500، وغرب طرابلس 325، ومصراتة 700.
كما حمّل تقرير الديوان الشركة مسؤولية إهمال الصيانة الدورية كل 3 إلى 14 عامًا، وعدم ربط المحطات بغرفة التحكم منذ 6 أعوام، وتأخر الاختبارات التشغيلية لبعض الوحدات، وأوصى الديوان بفتح تحقيق في المخالفات، واستبعاد كل من ثبت تقصيره وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء وإعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة.
وفي التاسع عشر من يوليو 2020م، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق تشكيل مجلس جديد لإدارة الشركة العامة للكهرباء، ضم: عبد السلام الأنصاري، ووئام العبدلي الذي اختير رئيسا للمجلس، ورضوان خليل محمد، ومجدي الفيتوري، وعبد الحكيم فرج الفرجاني، والبشير المنير الطاهر، ومحمد عاشور الشريف.
كما دفع الانقطاع المتكرر للكهرباء لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب بطرابلس إلى إصدار بيان قالت فيه، إن الأزمة وصلت إلى منحدر خطر جدًّا، مشددةً على ضرورة الضرب على أيادي العابثين المساهمين في تفاهم الوضع، مؤكدة أن الانقطاع المتكرر للكهرباء لساعات طويلة عن العديد من مدن ليبيا خلّف سخطاً كبيراً لدى المواطنين.
وتسبب الانقطاع المتتالي للكهرباء، والتوزيع غير العادل لطرح الأحمال بين المدن والمناطق الليبية، في غضب العديد من المواطنين الذين اتهموا الشركة بفشلها، وحمّلوها مسؤولية إنفاق المليارات دون وجود أي مردود إيجابي على الشبكة، وطالبوا الحكومة بإيجاد حل للأزمة
يقول المواطن “عادل علي” (41 عاما)، إن انقطاع الكهرباء دون أسباب مع غياب أي حلول جذرية أصبح مصدر قلق لي ولآلاف الليبيين أمثالي، مضيفًا أن المعاناة الكبرى يقاسيها العديد من المواطنين الذين لديهم أمراض مزمنة كمرضى الفشل الكلوي، مؤكدًا أن “ملف الكهرباء” أثبت عجز الحكومة عن الإيفاء بوعودها وتعهداتها.
ورفض رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء المهندس “وئام العبدلي”، اتهامَ المواطنين للشركة بأن “عملية طرح الأحمال” من فعلها، وقال إن أبرز التحديات التي تواجهها شركتهم قلة الإنتاج مع العجز في الشبكة الذي يتراوح بين 40 – 55٪.
وبرر العبدلي، في حديثه للرائد، سبب طرح الأحمال الأخير بأنه ناتج عن انقطاع أسلاك الكهرباء الواصلة بين منطقتي الهيرة والعرقوب، نتيجة تضررها في العدوان على العاصمة طرابلس.
وعزا “العبدلي” سبب عدم ربط المحطات بغرفة التحكم منذ 6 أعوام، إلى فقدان خطوط نقل البيانات منذ عام 2011م، موضحًا أن المعلومات لا تصل من محطات التوليد إلى غرفة التحكم، مؤكدا تكليفهم الإدارة العامة للنقل بإجراء حصر شامل للأضرار لإعادة ربط المحطات بغرفة التحكم، وفق قوله
وأوضح “العبدلي” أنهم بصدد إدخال 3 وحدات في محطة الخمس، ووحدة بمحطة جنوب طرابلس، ووحدة بمحطة الزاوية، على الشبكة العامة للكهرباء، بعد إجراء الصيانة اللازمة، مشدداً على أن دخولها سيكون له الأثر الملموس في استقرار الشبكة.
واختتم حديثه بأن مجانية الكهرباء سمحت لكثير من أصحاب الحرف والمحال بتشغيل الكهرباء طيلة الساعة، مضيفًا أنهم اتفقوا مع الإدارة العامة لخدمات المستهلكين على تنظيم حملة لتفعيل الجباية وقطع التوصيلات غير الشرعية، ومخالفة المحلات التي تشغل الكهرباء 24 ساعة دون ربطها بعداد.
وفي الثاني من أغسطس، أعلنت القوة المشتركة التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق، تكليف عدد من وحداتها بتأمين محطات الكهرباء بالمنطقة الغربية، بناء على تكليف صادر من المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق الوطني.
وقال القيادي في القوة “هيثم الفقيه”، إنهم بدؤوا تأمين المحطات البالغ عددها 40 بين تحكم وتشغيل؛ لمنع تكرار الاعتداء المسلح وضمان توزيع متساوٍ لطرح الأحمال.
وفي حديثه للرائد، أشار “الفقيه” إلى أنهم سيسلّمون المهمّة لجهاز الشرطة الكهربائية لاستكمال التأمين، موضحًا أن تدخل القوة سيكون في الحالات الطارئة فحسب، وعند أداء فنيي الشركة لأعمال ميدانية كصيانة شبكات نقل الكهرباء المتضررة نتيجة العدوان على العاصمة طرابلس.
فهل تشهد أزمة الكهرباء انفراجا لحظيا في ظل الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الدولة أم سيستمر مسلسل الانقطاعات والإظلام التام دون حلول جذرية واضحة؟!