أطلقت القاهرة منذ مطلع 2017 مبادرة لتوحيد المؤسسة العسكرية، وجمعت بناءً عليها ضباطاً يمثلون قائد عملية الكرامة وحليف النظام المصري خليفة حفتر، وضباطاً آخرين يمثلون من المفترض أنهم يمثلون المنطقة الغربية وكان أبرزهم سالم جحا الملحق العسكري بدولة الإمارات.
توالت الاجتماعات على فترات متقطعة ولم تخرج بشيء ملموس يمكن البناء عليه، وكان آخر تنويه بالجهود المصرية في هذا الصدد عند عقد لقاء باريس في مايو الماضي، ولم يعدُ هذا التنويه المجاملةَ الدبلوماسية لمصر غير الراضية عن مخرجات باريس، وبقيت الجهود المصرية لتوحيد المؤسسة العسكرية مجمدة، حتى صرح المتحدث باسم قوات الكرامة أحمد المسماري في مطلع أكتوبر الجاري عن قرب استئناف محادثات القاهرة بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية، وفعلاً عقدت لقاءات في القاهرة الأيام القليلة الماضية في هذا الصدد، وتم الحديث عن عدة مقترحات، إلا أن السيد المسماري نفى أي مقترح ما عدا مقترح مجالس القيادة الثلاثة (مجلس الأمن القومي، ومجلس الدفاع الوطني، ومجلس القيادة العامة)، وأكد على أنه تم الاتفاق على بقاء قائد عملية الكرامة كواجهة رئيسية للجيش الوطني الليبي –بحسب وصفه-، وهذا ما نفاه المجلس الرئاسي في بيانٍ صدر لاحقاً.
الوساطة المصرية ومقترح مجالس القيادة الثلاثة: لا يستطيع المتابع أن يتجاهل الاهتمام المصري بتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، هذا الاهتمام الذي ترتفع وتيرته حيناً وتنخفض حيناً آخر، وحتى لا نرجع للوراء كثيراً فإنه يمكن من خلال النظر إلى توقيت الاستئناف الأخير للقاءات توحيد المؤسسة العسكرية أن ندرك شدة تمسك النظام المصري برجله خليفة حفتر، وأنه يحاول إبقاءه في المشهد لأطول فترة ممكنة كما سنبين ذلك من خلال المسوّدة المتداولة لمقترح مجالس القيادة الثلاثة، أيضاً يحاول النظام المصري من خلال إدارة ملف المؤسسة العسكرية في الأزمة الليبية الحصول على مركز متقدم وفاعل في المشهد الدولي، خاصة وأن موعد مؤتمر باليرمو قد اقترب وهناك تقارب مصري مع إيطاليا على حساب فرنسا فيما يخص ليبيا.
وبالعودة إلى مقترح مجالس القيادة الثلاثة، فإن تشكيل هذه المجالس الثلاثة جاء –بحسب المقترح- من أجل تنظيم علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة المدنية، وذلك من خلال مجلس الأمن القومي (قيادة سياسية)، ومجلس الدفاع الوطني (قيادة سياسية عسكرية)، ومجلس القيادة العامة (قيادة عسكرية)، ورغم نص المقترح على أنه لا يجوز للعسكريين تقلد الوظائف والمناصب السياسية، إلا أنه استثنى جواز ذلك في الأحوال الخاصة ومتطلبات بعض المراحل، في تأثرٍ جليٍّ بتجربة النظام المصري وضمن عموميات مبهمة ومقصودة.
اللافت في المقترح أيضاً عضوية القائد العام لمجلس الأمن القومي ومجلس الدفاع الوطني ورئاسته لمجلس القيادة العامة، على الرغم من كون المجلس الأول قيادةً سياسية كما ينصّ المقترح.
أيضاً فإن صلاحيات القائد الأعلى للمؤسسة العسكرية كما ينص المقترح لا تتعدى الإجراءات الشكلية التي يمررها له القائد العام ليصدق عليها، والأمر نفسه ينطبق على منصب وزير الدفاع إضافة إلى كونه رسولاً بين القائد الأعلى والقائد العام، كما أنه يمثل المؤسسة العسكرية عند المساءلة أمام السلطة التشريعية، ولم يكتفِ المقترح بإعطاء القائد العام صلاحيات واسعة وشبه مطلقة بل نصّ على جعل تبعية الحرس الرئاسي لمنصب القائد العام. وقد أزالت توصيات المقترح التعجب من الإصرار على إبقاء منصب القائد العام الذي قد يستغنى عنه بمنصب القائد الأعلى أو منصب رئيس الأركان العامة، حيث أوصى المقترح على أن تضمّ اختصاصات وزير الدفاع إلى القائد العام لمدة دورة انتخابية واحدة إضافة إلى سنة، أو في حال تعذر ذلك يسمي القائدُ العام وزيراً للدفاع من الضباط العاملين أو ممن هم خارج الخدمة، وبعد هذا التفصيل الدقيق على مقاس قائد عملية الكرامة صرّح المقترح في توصيته الثانية بإبقاء القائد العام المعين من قبل مجلس النواب خليفة حفتر في منصبه مدة خمس سنوات.
لا يخفى على من يطلع على هذا المقترح السعي الحثيث للنظام المصري من أجل إبقاء رجله في المشهد من خلال الهيمنة العسكرية بعد أن أصبحت حظوظه فيما عداها ضئيلةً جدّاً، كما أنه يسعى لإبقاء المؤسسة العسكرية تحت وصايته، وقد أشار إلى ذلك حيث جعل من اختصاصات مجلس الدفاع الوطني اتخاذ التدابير المتعلقة بتقوية التعاون العسكري بين الدول العربية.
إن المؤسسة العسكرية جزء من السلطة التنفيذية وخاضعة لها، ولا يمكن لها أن تتحد أو تُبنى بناءً سليماً في ظل انقسامٍ سياسيٍّ عميق وغياب مرجعية دستورية واضحة وتنازع للشرعية قائم، ثم كيف لحفتر غير المعترف بالاتفاق السياسي أن يخضع لسلطة القائد الأعلى الذي أتى به الاتفاق السياسي؟
لقد كان السيد غسان سلامة في لقائه الذي نشرته الحياة اللندنية في السابع من أكتوبر صريحاً وواضحاً ومدركاً لحقيقة الأمر عندما أكّد على ضرورة توحّد المؤسسة العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة كطرف محايد في إشارة إلى عدم حياد الطرف المصري، وهذا ما يفسر عدم نشر الشرق الأوسط أي تصريح له بخصوص المساعي المصرية لتوحيد المؤسسة العسكرية وهي التي أجرت اللقاء معه في زيارته الأخيرة إلى القاهرة. إنا آمالنا أكبر من تبني مؤسستنا العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة، بل إن الأمل يحدونا أن تبنى هذه المؤسسة تحت أعين أبناء الوطن المخلصين، المحتكمين إلى دستور يتوافقون عليه، وبسلطة مدنية يأتمنونها على بناء مؤسستهم العسكرية كاستحقاق وطني هو الأولى والأهم.
علي أبوزيد/ كاتب ليبي