in

مازال الحديث عن الدستور

يبدو أن الطريق إلى تطبيق الدستور وإنفاذه مازال طويلاً، أو أنه أُريد له أن يكون طويلاً، لغاية في نفسٍ قضاها، ويبدو أيضا أن رسو مركب الوطن مازال بعيدًا هو الأخر، فلا رياحه ساكنة، ولا سفنه مواخر، فما من يوم إلا وتحدث الساسة، وخبراء القانون، وعامة الناس عن حاجتنا لمشروع الدستور، لأنه سيُخرجنا من غرفة العناية الفائقة، إلى قسم الإيواء، على أقل تقدير، أملٌ تعلق به الليبيون، وإن كانت العقود الأربعة المنصرمة من سلطة سبتمر، قد باعدت بيننا وبين الثقافة الدستورية، وإن كدت أجزم أن الفتية الذين رجحوا كفة نجاح ثورة السابع عشر من فبراير، كانوا في أوج ثورتهم لا يعرفون للدستور طريقًا، ولا هوية، وهذا ليس ذنبهم، ولا عيبًا يُنقص عطاءهم.

وحسب وجهة نظري الشخصية فإن هيئة صياغة الدستور كانت ملتقى مشاكل ليبيا، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وفي قليل منها الشخصية، كل ذلك كبّ بقاعة الهيئة، وشكل معوقات منها ما هو إرادي، ومنها ما هو يتحرك بفعل “الريمونت كنترول” صحيح أن الجهاز يتنقل من يدٍ لأخرى، وجغرافيًا من الداخل والخارج، لكنه عمل توجيه شاشة العرض، واختيار لقطات المشهد.

سيرة الدستور أشبه برواية، لم يكن لصاحبها المقدرة علي مواءمة المقدمة مع الخاتمة، بدون أن يتعرض لمتنها، وهو أمر يعكس التباب التي اجتازها، والأحراش التي ينتظرها إلى تطبيقه، يحتاج لإصدار قانون الاستفتاء، ولا يمكن لنا أن نجتاز مذبح من سيحيله للاستفتاء، لأنه ومن باب القاعدة الدستورية ( خصيكم عوج) فإن مجلس النواب عرضة للطعن في ولايته، تماما كما هو المجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، وحتى الهيئة ليست بمنأى عن مشكلة انتهاء الولاية، ولا يخفى عن البعض الرسالة الضمنية التي بعث بها بعض من أعضائها، بإرسال عدة نسخ وتسليمها بشكل رسمي للأضداد السياسية الأخرى، التي تقارع وجود مجلس النواب ( المجلس الأعلى للدولة ، المجلس الرئاسي ، والمؤتمر الوطني ) المؤتمر الوطني تسلّم نسخته هو الأخر، وبهذا يبقى من السذاجة تجاهل مرام ذلك، ولربما هي رسالة بعينين محمرتين لمجلس النواب، مختصرها، إن لم ينجز الدستور فهناك من سينجزه، وهي بدورها قد تكون أخر اسفين صدئ يدقه البرلمان ليس في نعشه وحسب بل في قارورة قلبه، ومستقبله السياسي المهترئ، وبدوخول لاعب أخر من الوزن الثقيل من خلف ستار المشهد، وتصريح المبعوث الأممي إلى ليبيا السيد غسان سلامة، أن المنظمة الدولية ستقدم الدعم اللوجستي للاستفتاء علي الدستور، فإن ذلك يعني أن المشروع وراءه محرك بقوة نفاثة.

إن التالي يشكل هاجسًا للمواطن الليبي الذي يتوق لاستقرار الوضع السياسي في ليبيا، فإصدار قانون الاستفتاء، أمامه معارضين بمجلس النواب، لا يند دستوري ولا قانوني لمعارضتهم، اتفقنا أم اختلفنا حول الدستور، فصاحب الحق الشرعي في ذلك  هو الولي دون غيره، ممثلاً بالشعب الليبي، لكن ثمة ما يفوح من تكرار عملية الانتقال السياسي للسلطة بين مجلس النواب المنتخب وبين المؤتمر الوطني المنصرف في ذلك الوقت، بغض النظر عن حيثيات المشكل، فربط تمرير الدستور لمرحلته الثانية بنتائج أحكام المحاكم المنظور أمامها الطعون التي ينتوي البعض تقديمها، هي عوامل في زيادة الشرخ السياسي  في ليبيا

ناهيك عن الوضع الأمني الذي تتطلبه عملية الاستفتاء، ومعارضة غير المتوافقين عليه، وعدم استبعاد الأياد الخفية، وخفايا المستقبل، كل هذا ومشروع الدستور يتطلب موافقة ثلثي المقترعين، ناهيك عن تلويح بعض مجلس النواب بعقد جلسة خارج طرابلس، وتنازع الولاء القضائي الذي قد ينتج جراء صدور حكم سلبي تجاه مسودة الدستور.

عبدالفتاح الشلوي / عضو المؤتمر الوطني السابق

كُتب بواسطة raed_admin

الشعب الليبي يحيا في المستنقع

الغلو والتطرف والإرهاب … البذور والجذور