بتاريخ 5-7-2023 أرسل السيد المستشار القانوني بمكتب رئاسة مجلس النواب – أشرف المبروك الدوس- كتابا إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ذكر فيه بأن الاختصاص “في مسائل الطعن في دستورية وعدم دستورية القوانين” ينعقد للمحكمة الدستورية اعتبارا من نشر القانون رقم 5-2023 والذى وفقا تم في 6-4 الماضي، وبالتالي نقل له :”وبناء على تعليمات فخامة رئيس مجلس النواب بعدم الاعتداد بأي أحكام تصدر عن جهات غير مختصة قانونا وتعد والعدم سواء لصدورها بالمخالفة للتشريعات الصادرة، وإجراءاتكم بتعميم الكتاب على الجهات ذات العلاقة واعتبار القوانين سارية إلى حين صدور ما يلغيها أو يعدلها من السلطة التشريعية؛ حفاظا على استقرار ووحدة السلطة القضائية”.
وأنا أقرأ هذا الكتاب انتابني شعور بالحسرة والألم على عقود ضيعتها وزملاء في كليات القانون؛ لأننا فشلنا في تكوين من يمكنهم فهم أن القوانين تسري من تاريخ نشرها، وتبقى كذلك إلى أن تلغى وفقا للمادة الثانية من القانون المدني، ولكن الأهم هو أن هذا الكتاب يدفع للوقوف عند بعض ما ورد فيه وما لها من دلالات في صورة برقيات وفق الآتي:
– الوحدة المزعومة للسلطة القضائية
لا أدرى كيف يكون الغرض من هذا الكتاب هو الحفاظ على (استقرار ووحدة السلطة القضائية)، وهذه الوحدة تم تفتيتها من نفس السلطة التشريعية الانتقالية بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، واستبعاد رئيس المحكمة العليا منه، والكتاب نفسه يخاطب رئيس المجلس، ولا يخاطب رئيس المحكمة العليا وهي الجهة المعنية الأساسية! ولا يملك رئيس المجلس أن يخاطبها بموجب الكتاب؛ لأنها لا تتبعه، وهي لا تحتاج إلى تذكير بمعطى يعلمه كل من درس القانون!!
وهكذا يبين أن مضمون الكتاب كان يجب أن يقتصر على طلب إخلاء طرف المرشحين من الهيئات القضائية لعضوية المحكمة، وهي مسألة لا أعتقد أنها يمكن أن تمر بدون جدل؛ بسبب تبعاتها من نقل نوعي ومكاني…الخ.
– التدخل في عمل باقي السلطات
الكتاب في ذاته واللغة التي كتب بها يمثل تدخلا في شأن باقي السلطات، فالسلطة التشريعية ينحصر دورها في سن القوانين، أما تطبيقها وتنفيذها فهذا شأن سلطتين أخريين وفقا لما يقتضيه مبدأ الفصل بين السلطات. ولو كنت في مركز من وجه اليه سأكتفي بالتأشير عليه: علم! فلكل مرشح للمحكمة الدستورية أن يقرر بحسب ما يمليه عليه ضميره ونظرته إلى تلك المحكمة والظروف التي أنشئت فيها إما القبول أو الاعتذار – كما فعل البعض-.
– إلاصرار على تأزيم المؤزم
لعل إقرار قانونين في شأن المحكمة الدستورية في مدة تقل عن ستة أشهر ودون احترام مقتضيات الواقع القانوني والانتقالي، وصدور حكمين من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لخير مؤشر على صدق الأزمة التي تمر بها البلاد، وهذا غيض من فيض، وما صدور هذا الكتاب وما تتناقله وسائل الاتصال من تصريحات عن بعض النواب حول ظروف إقرار قانون المحكمة، فضلا عن معارضة الضرة – المجلس الأعلى للدولة- كما تجلت في الطعن الذي رفعه رئيسها (طعن د. 5-70بتاريخ 31-5-2023). ومن السهل الزعم بأن ما صدر من أحكام هي والعدم سواء، لكن من الصعب إثبات هكذا الزعم في الواقع؛ لأن مجرد نقل الاختصاص إلى محكمة أخرى لا يعني سحب اختصاص سابقتها فورا كما يعلم ذلك ذوو الاختصاص!.
المصدر : الصفحة الشخصية للفقيه القانوني الكوني أعبودة