في خطوة أعادت الخلاف بين مجلسي النواب والدولة إلى الواجهة، قرر مجلس النواب المضي في مسار مغاير للاتفاق السياسي الموقَّع سابقًا بشأن اختيار مجلس جديد للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وسط رفض صريح من المجلس الأعلى للدولة، وصمت لافت من بعثة الأمم المتحدة، ما يطرح تساؤلات جدية حول مصير التوافقات السياسية والاستحقاق الانتخابي المرتقب في ظل تهديد البعثة الأممية بانتهاج نهج بديل في حال استمر الجمود، وعدم توافق المجلسين.
مسار مخالف للاتفاق
بينما كان المجلس الأعلى للدولة والبعثة الأممية ينتظران شروع مجلس النواب في اختيار مجلس جديد للمفوضية وفق الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، اتجه البرلمان إلى اعتماد خيار استكمال المقاعد الشاغرة داخل مجلس المفوضية الحالي، وإحالة ميزانيتها المقترحة إلى اللجنة المختصة تمهيدًا لاعتمادها، في خطوة قوبلت بترحيب من مجلس المفوضية القائم.
قرارات جلسة بنغازي
وصوّت مجلس النواب، خلال جلسته المنعقدة في مدينة بنغازي، على إقرار استكمال المقاعد الشاغرة بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، كما قرر إحالة ميزانيتها إلى لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة لإبداء الرأي وعرضها لاحقًا على المجلس.
كما أقرّ المجلس مشروع قانون زيادة مرتبات منتسبي “القيادة العامة” بنسبة 150%، وهو المشروع المحال من صدام حفتر، ما أثار جدلًا واسعًا حول تداعياته المالية.
مقترح عقيلة
وخلال كلمته الافتتاحية، اقترح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تشكيل لجنة تعتمدها البعثة الأممية، تضم وكيلي وزارة الداخلية بالحكومتين، وعضوين من لجنة (5+5) عن الشرق والغرب، إضافة إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس المفوضية، تتولى الإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال خمسة أشهر.
لا حاجة لحكومة جديدة
وأكد عقيلة صالح أنه لا حاجة لتشكيل حكومة جديدة في حال أُجريت الانتخابات خلال خمسة أشهر، داعيًا النواب إلى دراسة المقترح وإبداء الرأي بشأنه، وطرحه على الدول المعنية بالشأن الليبي والبعثة الأممية.
رفض الأعلى للدولة
في المقابل، سارع المجلس الأعلى للدولة إلى رفض قرار مجلس النواب، واصفًا إياه بالأحادي والمشوب بالخلل الإجرائي والقانوني، مؤكدًا تمسكه الكامل باتفاق لجنتي المجلسين القاضي بتغيير مجلس المفوضية بالكامل.
تحذير سياسي
وأكد المجلس الأعلى للدولة، في بيانه، أن أي خطوات أحادية تمس هذا الاستحقاق الوطني تُعد إخلالًا بالتوافق السياسي وتقويضًا لأسس الشراكة بين المجلسين، محذرًا من تداعياتها على المسار السياسي والانتخابي.
اعتراض على زيادة المرتبات
كما أعلن المجلس رفضه التصويت على زيادة مرتبات منتسبي الجيش الليبي، معتبرًا أن القرار يُرهق الميزانية العامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ومؤكدًا تمسكه بجدول المرتبات الموحد الذي يحقق العدالة بين جميع موظفي الدولة مدنيين وعسكريين.
رد المفوضية: وفق القانون
من جهتها، أكدت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن شغل المقاعد الشاغرة جاء وفق ما نصّت عليه المادة (10) من قانون إنشائها، مشيرة إلى أن بعض الأطراف تحاول إقحام هذا الملف لخدمة أجندات سياسية تُبعد الاستحقاقات الانتخابية عن مطالب الشعب الليبي.
وشددت المفوضية على أن بيانها لا يتضمن أي مطالبة بالاستمرار في قيادة المؤسسة، بل يهدف إلى توضيح الحقائق في ظل ما وصفته بحملات التشكيك في استقلاليتها ونزاهتها.
اتفاق لم يُنفّذ
ويُذكر أن لجنتي المناصب السيادية في مجلسي النواب والدولة وقّعتا في نوفمبر الماضي اتفاقًا ينظم آلية اختيار رئيس وأعضاء المفوضية، على أن يُستكمل في أجل أقصاه 7 ديسمبر 2025، وفق آلية (7-3-1)، إلا أن هذا الاتفاق بات اليوم محل خلاف حاد بين المجلسين.
صمت أممي يثير التساؤلات
ورغم أن البعثة الأممية كانت قد أدرجت استكمال مجلس المفوضية ضمن المرحلة الأولى من خارطتها السياسية المعلنة في أغسطس الماضي، وحذّرت سابقًا من تجاوز عمل المجلسين، إلا أن موقفها ظل صامتًا إزاء التطورات الأخيرة.
ومع تصاعد الخلاف بين مجلسي النواب والدولة، وغياب موقف أممي واضح، يبدو أن ملف المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تحوّل مجددًا إلى ساحة صراع سياسي مفتوح، يهدد بتعطيل الاستحقاق الانتخابي، ويعيد طرح السؤال الأبرز: هل تنتصر التوافقات السياسية أم تفرض الخطوات الأحادية واقعًا جديدًا على المشهد الليبي؟

