لا تزال تداعيات سقوط الطائرة التي كانت تقل رئيس الأركان العامة للجيش الليبي الفريق أول ركن محمد الحداد ومرافقيه تلقي بظلالها على المشهدين السياسي والعسكري، في ظل مسار تحقيق دولي متشعب، وتصريحات رسمية وتحليلية تكشف حساسية الملف، بالتوازي مع استعدادات رسمية لإقامة مراسم تأبين عسكرية في العاصمة طرابلس.
بريطانيا بديلًا عن ألمانيا
وزارة الداخلية بحكومة الوحدة أعلنت الجمعة أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، بسبب عدم توفر الإمكانيات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات.
وأوضحت الوزارة أنها طرحت أربع دول أخرى كخيارات بديلة، قبل أن يتم الاتفاق على اختيار بريطانيا كجهة محايدة لاستكمال الإجراءات الفنية المتعلقة بفحص الصندوق الأسود.
وأكدت وزارة الداخلية استكمال إجراءات تحليل الحمض النووي والتعرف على رفات جثامين رئيس الأركان ومرافقيه بدقة، بعد مطابقة العينات مع ذويهم، مشيرة إلى أنه تقرر نقل الجثامين صباح الغد إلى طرابلس.
تركيا: اهتمام وحذر
المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، قال في تصريح للرائد ، إن ملف الطائرة المنكوبة يحظى باهتمام كبير على مختلف المستويات الرئاسية والعسكرية والأمنية في تركيا، في إطار السعي لكشف أسباب سقوطها.
وأوضح حافظ أوغلو أن تحويل ملف فتح الصندوق الأسود إلى دولة محايدة جاء بسبب حساسية الملف وأهميته لأنقرة، مشيرًا إلى أن تركيا تسعى من خلال هذا القرار إلى إبعاد نفسها عن أي اتهامات محتملة مرتبطة بحادث الطائرة.
وأضاف أن فرضية اغتيال القادة العسكريين، وعلى رأسهم الفريق أول محمد الحداد، تبقى واقعية، لافتًا إلى أن فرنسا تُعد من بين الدول الثلاث المختصة في التحكيم الدولي، فضلًا عن كونها الدولة التي صُنعت فيها الطائرة.
وأشار إلى أن الوفد الليبي كان يحمل ملفات كبرى وتفاصيل لتعاون عسكري كان من شأنه أن يشهد مفاجآت، معتبرًا أنه في حال ثبوت فرضية الاغتيال فإن الاتهامات قد تتجه نحو دول تسعى للحد من التعاون العسكري بين أنقرة وطرابلس.
الصندوق الأسود: مفتاح الحقيقة
من جانبه، أكد رئيس تحرير وكالة أنباء تركيا حمزة تكين، في حديثه للرائد ، أن تركيا قررت تحويل ملف الصندوقين الأسودين إلى دولة محايدة للمشاركة في التحقيق، بهدف ضمان الشفافية الكاملة وإبعاد الشبهات.
وأوضح تكين أن بعض الأطراف تحاول استغلال الحادث لزعزعة العلاقة بين تركيا وليبيا، مشددًا على أن فتح الصندوق الأسود بحضور تركي ليبي، إلى جانب الدولة المحايدة، سيكشف الحقيقة بشكل واضح.
وأضاف أن البيانات التي سيتم استخراجها من الصندوقين الأسودين ستشكل مفتاح حل لغز الحادث، وستحدد ما إذا كان السبب فنيًا أو غير ذلك، معتبرًا أن الحادث — سواء كان ناتجًا عن خطأ فني أو مدبرًا — من شأنه أن يعزز العلاقات التركية الليبية، لا أن يضعفها.
عرضه للتشكيك
بدوره، قال رئيس مركز شرقيات للبحوث ورئيس تحرير “اندبندنت تركية” محمد زاهد غول إن قرار تركيا إحالة الصندوق الأسود للطائرة العسكرية المنكوبة إلى فرنسا لا يمكن فصله عن حساسية التوقيت والسياق الإقليمي المحيط بالحادث.
وأوضح غول في تصريح للرائد أن أنقرة تدرك أن أي تحقيق داخلي في حادث بهذا الحجم، في ظل غياب نتائج معلنة حتى الآن، سيبقى عرضة للتشكيك والتسييس، مشيرًا إلى أن اللجوء إلى مكتب التحقيقات والتحاليل الفرنسي (BEA) جاء لضمان أعلى معايير الفحص تقنيًا، ولتأكيد الشفافية سياسيًا.
وأشار إلى أنه لا يوجد حتى اللحظة تحقيق شامل أو تقرير أولي معلن، وهو ما يعد غير اعتيادي في كثير من حوادث الطيران، لافتًا إلى أن الحادث وقع بعد يوم واحد فقط من تمديد البرلمان التركي مهمة القوات التركية في ليبيا لسنتين إضافيتين، ما يضعه في قلب ملف استراتيجي بالغ الحساسية.
وأكد غول أن أي غموض أو تأخير في كشف ملابسات الحادث قد يُستثمر سياسيًا داخل ليبيا وخارجها، معتبرًا أن فرضية الاغتيال لا يمكن تجاهلها في ظل سياق إقليمي متوتر، يشمل تهديدات سابقة وتحركات عسكرية مريبة.
أثينا في دائرة التساؤل
وتابع ” غول” في تصريحاته للرائد، أن الطائرة المنكوبة كانت قد توقفت في أثينا قبل يوم واحد فقط من وقوع الحادث، وهو ما يفتح — بحسب تعبيره — باب الأسئلة حول مسار الرحلة وتحركاتها قبل السقوط.
وأضاف غول أن هذا المعطى يضع اليونان ضمن دائرة الشكوك، في ظل تقاطع المصالح الإقليمية، مؤكدًا أن هذه التفاصيل تعزز من ضرورة التحقيق الدولي المحايد، خاصة في ظل غياب أي تقرير أولي معلن حتى الآن.
وذكر أن فرضية الاغتيال لا يمكن تجاهلها فحادثة جاءت بعد تهديد إسرائيلي بيوم واحد، وفي سياق أوسع يشمل غرق سفينتين في البحر الأسود، وظهور مسيّرات مجهولة في الأجواء التركية خلال الشهر الجاري والماضي وفق قوله
وأشار إلى أن الحادث لن يكسر التحالف الليبي التركي لكنه يفرض إدارة أكثر صرامة للشفافية في مرحلة إقليمية شديدة الاضطراب.
تأبين رسمي
بالتوازي مع التحقيقات، أعلنت وزارة الدفاع الليبية، بالتنسيق مع رئاسة الأركان العامة، عن إقامة مراسم تأبين رسمي لرئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد ورفاقه، يوم السبت بمقر وزارة الدفاع.
وأوضحت الوزارة أن مراسم التأبين ستقام عند الساعة 10:45 صباحًا وفق التقاليد والبروتوكولات العسكرية المعتمدة، على أن تصل جثامين الشهداء في تمام الساعة 10:00 صباحًا، حيث سيكون في استقبالهم استقبال عسكري رسمي.
وبين مسار تحقيق دولي مفتوح، وتصريحات سياسية وأمنية متقاطعة، واستعدادات لوداع رسمي، يبقى حادث سقوط الطائرة ملفًا ثقيلًا ينتظر ما سيفصح عنه الصندوق الأسود، في لحظة فارقة قد تعيد رسم كثير من الحسابات السياسية والعسكرية في المنطقة.

