Menu
in

صراع الأرقام وأولويات الإنفاق… من يتحمّل مسؤولية فجوة الإيرادات النفطية ؟

 

تبادل اتهامات بين مؤسسة النفط والمركزي

عاد الجدل بين المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي إلى الواجهة، على خلفية تراجع توريدات الإيرادات النفطية خلال الأشهر الأخيرة، في سجال كشف عمق الخلاف حول إدارة الموارد وأولويات الإنفاق، وسط مخاوف متزايدة بشأن الاستقرار المالي وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية.

المؤسسة: المشكلة في الإنفاق لا في الإنتاج

المؤسسة الوطنية للنفط أكدت أن الانخفاض المسجّل في توريد الإيرادات منذ سبتمبر 2025 لا يعكس أزمة في الإنتاج أو التصدير، بل يعود – بحسب وصفها – إلى غياب سياسة مالية واضحة وأولويات إنفاق محددة لدى المصرف المركزي.
وشددت المؤسسة، في مذكرة رسمية موجهة إلى هيئة الرقابة الإدارية، على أن تحميلها مسؤولية تراجع الإيرادات يمثل “تشويهًا غير مبرر” لواقع الأزمة.

رد على تصريحات المحافظ

وجاءت مذكرة المؤسسة ردًا على تصريحات محافظ مصرف ليبيا المركزي، الذي تحدث عن توريد نحو 308 ملايين دولار فقط خلال ديسمبر، معتبرًا أن ذلك تسبب في عجز عن تغطية المرتبات والمصروفات.
ووصفت المؤسسة هذه الأرقام بأنها “غير دقيقة”، مؤكدة أنها ناقشت مسبقًا أسباب تذبذب التوريد خلال اجتماع رسمي بديوان المحاسبة أواخر نوفمبر، بحضور الجهات الرقابية والقضائية، وأبدى المحافظ حينها تفهمه للتوضيحات المقدمة.

وانتقدت المؤسسة ما اعتبرته تحوّل ملف الإيرادات النفطية إلى أداة اتهام سياسي ومالي، تُحمّل من خلالها مسؤولية اختلالات أوسع في الأداء المالي العام، دون التطرق إلى جذور الأزمة أو تقديم حلول شفافة للرأي العام.

بيع الدولار… والعجز عن المرتبات

ومن أبرز نقاط الخلاف، تساؤل المؤسسة عن إعلان المصرف المركزي العجز عن تغطية مرتبات ديسمبر، في وقت كشف فيه عن بيع نحو 2.1 مليار دولار من النقد الأجنبي خلال النصف الأول من الشهر، أي ما يعادل قرابة 13 مليار دينار.
واعتبرت المؤسسة أن هذه المفارقة تعكس خللًا واضحًا في ترتيب أولويات الإنفاق، حيث تُوجَّه الموارد لاعتمادات جانبية، ثم يُعلن العجز عند مواجهة الاستحقاقات الأساسية.

المحروقات وأزمة التوريد

كما أشارت المؤسسة إلى امتناع المصرف عن توفير النقد الأجنبي المخصص للمحروقات، رغم تخصيص الحكومة مبالغ بالدينار، وتوقف نظام المبادلة، ما أدى إلى تعطيل سداد فاتورة الوقود وتهديد الإمدادات الحيوية، محذّرة من تداعيات ذلك على الاستقرار الاقتصادي.

عوامل خارجية تضغط على الإيرادات

وأرجعت المؤسسة جزءًا من تراجع الإيرادات إلى عوامل موضوعية، أبرزها انخفاض أسعار النفط العالمية بنحو 11 دولارًا للبرميل مقارنة بعام 2024، وارتفاع الاستهلاك المحلي من الوقود والغاز، وعدم اعتماد احتياجات البلاد من المحروقات، ما قلّص الكميات المتاحة للتصدير.

ميزانيات مجمدة ومخاطر على الإنتاج

وحذّرت المؤسسة من أن حرمانها من الميزانيات التشغيلية والاستثمارية يتناقض مع مبدأ ترشيد الإنفاق، ويهدد استدامة الإنتاج، مشيرة إلى أن عدم تسييل ميزانية 2025، وصرف أقل من 20% من ميزانية 2024، كاد أن يؤدي إلى فقدان ربع الإنتاج التصديري، لولا اللجوء إلى آلية الدفع بالإنابة.

المركزي: الإيرادات أقل من المبيعات

في المقابل، أفاد مصرف ليبيا المركزي بأن الإيرادات النفطية الموردة منذ بداية ديسمبر وحتى 22 من الشهر بلغت نحو 671 مليون دولار، مؤكدًا استمراره في بيع النقد الأجنبي لتلبية احتياجات السوق. وسبق أن أعلن المصرف بيع 2.1 مليار دولار بين 1 و16 ديسمبر، موزعة على اعتمادات مستندية وحوالات وأغراض شخصية وبطاقات صغار التجار.

فجوة مقلقة

وتُظهر بيانات المصرف أن الإيرادات النفطية خلال الفترة ذاتها لم تتجاوز 410 ملايين دولار، ما يسلط الضوء على فجوة واضحة بين حجم النقد الأجنبي المباع والإيرادات الفعلية المتأتية من النفط، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد.

بين النفط والمركزي… من يقود السياسة المالية؟

وفي ختام موقفها، شددت مؤسسة النفط أن الحفاظ على الاستقرار المالي يمر عبر دعمها وتمكينها، لا تحميلها أعباء فشل السياسات المالية، في وقت يبدو فيه الصراع بين الإنتاج والإنفاق مفتوحًا على مزيد من التصعيد.

في ظل هذا السجال المتصاعد بين المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، تتضح ملامح أزمة أعمق تتجاوز أرقام الإيرادات والتوريد، لتلامس جوهر إدارة المال العام وتنسيق السياسات الاقتصادية.
وبينما تؤكد المؤسسة قدرتها على الحفاظ على مستويات الإنتاج وتحقيق إيرادات رغم التحديات، يبرز غياب رؤية مالية متكاملة كعامل رئيسي في اتساع الفجوة بين الموارد والإنفاق.
ومع استمرار الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر للعملة الصعبة، يبقى التوصل إلى آلية شفافة تنظم العلاقة بين الإيرادات النفطية وأولويات الصرف ضرورة ملحّة، ليس فقط لتفادي الأزمات الآنية، بل لضمان استقرار مالي واقتصادي مستدام في مرحلة تتسم بحساسية استثنائية.

Exit mobile version