قال أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي حلمي القماطي إن مقارنة العجز غير النفطي في ليبيا بنظرائه في دول مستقرة مؤسسيًا لا تعكس بدقة واقع التحديات البنيوية التي يعيشها الاقتصاد الليبي.
وأضاف القماطي في تصريح له ردا عن صندوق النقد الدولي حول الوضع المالي في ليبيا، أن الصندوق يشير إلى ضرورة خفض العجز غير النفطي إلى ما دون 15 مليار دولار سنويًا، مقارنة بعجز عام 2024 المقدر بـ 39 مليار دولار، مؤكدا أن هذا العجز هو نتاج لعدة اختلالات متراكمة، منها ارتفاع مكوّنات الإنفاق الجاري “المرتبات، الدعم، تحويلات البلديات”، وغياب سياسة ضريبية فعالة تعزز الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى تراجع النشاط الاقتصادي الحقيقي نتيجة غياب بيئة استثمارية مستقرة وآمنة.
وأشار القماطي إلى أن خفض العجز دون معالجة هذه التشوهات الهيكلية سيبقى غير قابل للتحقق عمليًا، بل وقد يؤدي إلى انكماش اقتصادي أو تفاقم البطالة إذا طُبّق بشكل متعجل.
وتابع القماطي أن تحقيق الاستدامة المالية يتطلب خطوات إصلاحية مبكرة ومدروسة، إلا أن ذلك يتطلب إعادة صياغة أولويات الإنفاق العام لتنتقل من الطابع الريعي إلى الإنفاق الإنتاجي، و إصلاح النظام الضريبي والجمركي لتوسيع القاعدة الإيرادية بعيدًا عن النفط، وضبط الإنفاق العام عبر أدوات فعالة للمساءلة المالية والحوكمة، بالإضافة على إنشاء صندوق مالي سيادي متعدد الوظائف، يتكفل باستثمار الفوائض النفطية في الداخل والخارج وفق قواعد شفافة، واستعادة الثقة في المؤسسات المالية والنقدية، وهو أمر يتطلب توافقًا وطنيًا على مبدأ وحدة القرار الاقتصادي.
وأردف القماطي أن توصيات صندوق النقد رغم صحتها من حيث المبدأ – تحتاج إلى وضعها في سياق الواقع الليبي المعقّد، الذي لا يُمكن تجاوزه فقط بالأدوات المالية التقليدية، وإن المطلوب في الحالة الليبية ليس مجرد خفض رقمي للعجز، بل إعادة تصميم النموذج الاقتصادي برمّته، ليكون أكثر تنوعًا، إنتاجية، وعدالة، وهذا لا يمكن تحقيقه دون توافق سياسي ومؤسسي شامل، حسب قوله.