Menu
in

لماذا الاندهاش عندما يصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز الـ7 دينار؟

الاقتصاد الليبي مأزوم، ولم يعرف حالة التوازن او الاستقرار منذ عام 2016، ويعاني تشوهات حتى قبل هذا التاريخ، لاسيما وأنه دخل سنة 2024  بعجز في ميزان المدفوعات وعجز في الميزانية العامة في ظل وجود حكومتين، أو ما يعرف بالفجوتين التي تنبئ  بموجة تضخمية يشهدها الاقتصاد، بل إن الاقتصاد يعاني  أصلا تشوهات عديدة حتى قبل هذا التاريخ ومنذ أزمة الهلال النفطي.

فأزمة السيولة لم تشهد انفراجاً طوال السنوات الماضية، وهي مستمرة منذ اندلاعها عام 2016 ، وقيمة الدينار الليبي في تدهور مستمر؛ لأن سعر صرفه لم يكن في يوم من الأيام سعراً توازنيا، قابلا للاستدامة، بعد عام 2012، وقد عزز هذا الوضع الإجراءات التي اتخذها المجلس الرئاسي أيام حكومة الوفاق ومصرف ليبيا المركزي عندما قام بتعديل سعر صرف الدينار الليبي عند مستوى 4.48 دنانير للدولار، وهو سعر غير توازني وغير عادل ولن يتمكن المصرف المركزي من الدفاع عنه، في ظل أوضاع النقد الأجنبي.

وفي ظل انفلات الإنفاق العام وغياب السياسة المالية المنضبطة وغياب السياسة التجارية المصاحبة والمواكبة للتطورات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الليبي انتهى الأمر بالاقتصاد الليبي إلى عجز في ميزان المدفوعات وحالة من الركود التضخمي.

وقد عزز هذا الوضع المأزوم إجراءات مصرف ليبيا المركزي  الأخيرة المتعلقة بإعادة تنظيم آليات  توفير النقد الأجنبي لمختلف الأغراض، عندما أصبح المصرف المركزي مسايراً للاتجاهات الدورية( Pro cyclical ) في إيرادات النقد الأجنبي.

وكان ينبغي أن يكون مناوئًا لها ( counter cyclical ) ؛ بمعني أنه ما كان ينبغي على المصرف المركزي أن يضع قيودا ويقلص من المعروض من النقد الأجنبي  لمختلف الأغراض أو يعطي إشارات بذلك، عندما تتدنى إيرادات النقد الأجنبي الموردة له، حتى في ظل وجود عجز في ميزان المدفوعات، وفي ذات الوقت لا ينصح المصرف المركزي بالتوسع في عرض النقد الأجنبي فوق حاجة الاقتصاد الوطني، عندما تزداد إيراداته بالنقد الأجنبي، طالما كان سعر الصرف غير توازني.

وينطبق نفس القول على الحكومة ممثلة في وزارة المالية. الحصافة والرشد تستوجب أن يحافظ المصرف المركزي على مستوى ثابت من الصرف بالنقد الأجنبي، يتوافق مع الاحتياجات الحقيقية ( الطلب ) للاقتصاد  الليبي من السلع والخدمات، التي تحددها وزارة الاقتصاد، والتي لا تتغير بشكل كبير خلال السنة الواحدة، وأن تتوقف الحكومة عن بعض أوجه الإنفاق غير الضرورية التي تنفذ بالنقد الأجنبي، ويتفادى المصرف المركزي  التوقفات المفاجئة في عرض النقد الأجنبي مهما كانت الأسباب، طالما كانت احتياطياته من النقد الأجنبي فوق الحد الأدنى المطلوب لمواجهة الاحتياجات الاستيرادية لمدة سنة كحد أقصى

وهذا يتطلب التزام الحكومة بإنفاق الحد الأدنى الكافي لمواجهة مصروفاتها المحدد اوجهها مسبقاً في بداية كل سنة مالية، وفقا لميزانية عامة معتمدة، والالتزام بقواعد المالية العامة المعروفة،  هذه الإجراءات ينصح بها على المدى القصير،

أمّا على المدى الطويل فلا مناص من إعادة هيكلة الاقتصاد برمته بهدف تنويع مصادر الدخل، والحد من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، والقيام بإصلاحات هيكلية تستهدف الكثير من القطاعات والمؤسسات العامة.

وما يشهده سعر الصرف في السوق السوداء اليوم كان امراً متوقعًا، نبهنا اليه في السابق ، وسوق النقد الاجنبي مهيأة للمزيد من الاضطرابات خلال السنة، وسيجد المصرف المركزي نفسه مضطرًا لضخ ضعف ما كان يهدف لتوفيره من النقد الأجنبي، بالقيود التي فرضها على استعمالاته، حتي يتمكن من  السيطرة على السعر في السوق الموازيه والحد من ارتفاعه لمستويات غير مسبوقة.

وفي كل الأحوال ينبغي الابتعاد عن المساس بسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي لمواجهة تزايد الطلب عليه، بل ينبغي أن يكون الهدف دائما هو تثبيت سعر صرف الدينار الليبي عند المستوى التوازني، وإضفاء نوعا من الاستمرارية على السعر مصحوباً بالتحكم في عرض النقود من خلال ما يعرف بالتشديد النقدي، وأنه على الجهات الاخرى المعنية بالاقتصاد تحديد احتياجات البلاد من السلع والخدمات والعمل على وضع السياسات التجارية الكفيلة بالمحافظة على معدلاتها، وللمصرف المركزي أن يستفيد من تجربته السابقة في التعامل مع السوق السوداء للنقد الأجنبي والتحكم فيها، في مطلع الألفية الثالثة من هذا القرن.

ذلك ان أي تخفيض في سعر الصرف الرسمي للدينار بتحريك قيمته التعادلية، لمواجهة تنامي الطلب على النقد الأجنبي أو تحقيق أي وفر فيه، في ظل الظروف الحالية، لن يؤدي إلا لفتح شهية الحكومة للتوسع في الإنفاق العام، ولن يجدي في الحالة الليبية، في الحد من الطلب على النقد الأجنبي، ومن ثم زيادة الضغوط على سعر صرف الدينار الليبي والاستمرار في الدوران في حلقة جهنمية مفرغة.

كُتب بواسطة ليلى أحمد

Exit mobile version