in

غزوُ التفاهة

قديما قال الشاعر:
فلو لبس الحمار ثياب خزٍّ // لقال الناس يا لك من حمارِ

لقد عبّر الشاعر في وقته عن حالة وعي المجتمع، الذي تحصّنه قِيَمُه من أن يغترّ بالمظاهر ويخدع فيها، فالحمار وإن أُلبِس الحرير، ستظلّ قيمته في كونه حمارا رغم الزينة الفارهة التي تحلّى بها، أما في وقتنا هذا فإن حمير التفاهة غزوا الناس عبر تصديرهم وتلميعهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديمهم كقدوات في النجاح، وفلاسفة يتكلمون في قضايا العامة وشؤون الحياة، بل تستعين بهم الحكومات لتبرهن للعالم أن البلاد مستقرة وأن عودة الحياة تسري في عروقها.

إن التفاهة تغزونا ممتطية التريند، لتدوس على كل ما له قيمة، حاصدةً ملايين المشاهدات وآلاف المتابعات والإعجابات تبرهن بها على المعيارية الجديدة للقيمة في نظامها، حتى لقد صار من براهين نجاح رئيس حكومة أن يكون من أوائل من يتخذ حساباً على تيك توك، ويحصد فيه ملايين المتابعين والمشاهدات، وإني لا أدري إلى أي حضيض يهوي بنا هذا التسفّل والانحدار.

ولو قارنت مثلاً بين بودكاست يستضيف عالماً أو فاضلاً يتكلم في شأنٍ من العلم أو همّ من هموم الأمة، وبين رويبضة أو ساقطة قد استضافت عاهرة لتخبر عن رأيها في الشرف، أو مخنث يحدث عن رأيه في المجتمع، أو فاسد يكشف عن رأيه في إصلاح الاقتصاد ومعالجة السياسة، لرأيت الفرق في حجم المشاهدة والمتابعة، وأنها لصالح التفاهة والسخافة.

إن خطورة الأمر اليوم هو أن يكون تصدير التافهين وتقديمهم كقدوات وأمثلة للنجاح مدعومة من الحكومات، ومرحبا به، إما باستجلابهم ودفع الأموال لهم، أو بالاحتفاء بهم والإشادة بحضورهم، والأخطر من ذلك، أن تتخذ الحكومة من حجم متابعة منصاتها ومشاهدة محتويات صفحاتها معياراً لنجاحها، إنها بذلك تستحق بجدارة أن تكون حكومة التفاهة، وتؤكد ما قال الشاعر:

سألتُ زماني وهو بالجهل عالمٌ // وبالسخف مهتزٌّ وبالهزْلِ مختصُّ
وقلت له هل من طريق إلى العلا // فقال طريقان: الوقاحةُ والنقصُ

لأن المقاطعة ليست تريند!

حراك فزان: الحقول النفطية ما زالت مقفلة ولن تفتح إلا بعد تنفيذ مطالبنا