آلاف القتلى والمفقودين ودمار هائل حل بمدينة درنة جراء السيول والفيضانات التي سببتها السيول بعد انهيار سدي وادي المدينة، سيول جرفت مبانٍ بساكنيها إلى البحر، مسجلةً كارثةً غير مسبوقة في تاريخ البلاد، هذه المصيبة التي تعيشها درنة دفعت بأهلها إلى الخروج في مظاهرة حاشدة أمام مسجد الصحابة عنوانها محاسبة المسؤولين على إهمالهم تجاه سكان المدينة الذين لا تزال جثث كثير منهم تحت الأنقاض، مطالبين بسرعة التحقيق في الواقعة وأن يكون ملف إعادة الاعمار بعيدا عن الفساد وفي أيدٍ أمينة.
تحقيق ومحاسبة
فقد طالب أهالي مدينة درنة في مظاهرة حاشدة، النائب العام بالإسراع بالكشف عن نتائج التحقيقات ومحاسبة المجلس البلدي ولجنة الاستقرار، والتحقيق في الميزانيات التي خصصت للمدينة، وتكليف مجلس بلدي جديد مكون من ذوي الكفاءة والاختصاص من أبناء مدينة درنة.
وطالب أهالي المدينة بعقد مؤتمر دولي حول إعمار مدينة درنة برقابة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والبدء الفعلي بعملية إعادة الإعمار وتعويض المتضررين، وتكليف شركات دولية بذلك، وناشدوا منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإغاثية الدولية بإنشاء مركز للرعاية الطبية والتأهيل النفسي بالمدينة.
وتخللت المظاهرة التي حضرها مئات من سكان المدينة أمام مسجد الصحابة، هتافات مطالبة باستقالة رئيس البرلمان عقيلة صالح، كما توجه بعص المتظاهرين إلى منزل عميد البلدية حيث قاموا باقتحامه وحرقه تعبيرا عن غضبهم من تعامله مع الكارثة.
إقالة المجلس
وعقب المظاهرات الحاشدة قرر رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد إقالة المجلس البلدي درنة، وإحالة أعضائه كافة للتحقيق.
وقبل ذلك بأيام قليلة أصدر وزير الحكم المحلي بالحكومة الليبية قرارًا بإقالة عميد بلدية درنة عبدالمنعم الغيثي، وإحالته للتحقيق، وتكليف عضو المجلس أحمد جمعة امدور بتسيير مهام البلدية.
ميزانيات للمدينة
وكان مجلس النواب قد أقر في جلسة طارئة له في مدينة بنغازي بالإجماع، ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة، تودع في حساب في مصرف ليبيا المركزي إلى جانب بقية المخصصات أو المعونات المحلية والدولية.
في المقابل، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة تخصيص مليارَي دينار ليبي لإعادة إعمار درنة وبقية المناطق المتضررة.
رقابة مشددة
وفي سياق الحديث عن الميزانيات المرصودة لدرنة ومطالب أهاليها في تظاهرة مسجد الصحابة، قال عضو مجلس النواب احفيظ شنينة للرائد، إن مطالب المتظاهرين في درنة مشروعة، مشيرا إلى أن محاسبة المسؤولين عن الكارثة ضرورة حتمية.
وبين شنينة أن إعادة إعمار المدينة يجب أن يكون تحت رقابة مشددة لضمان انتهاء معاناة أهالي المدينة المنكوبة، مشدداً على أن جزاء المسؤولين عن كارثة درنة يجب أن يكون بحجم المأساة التي عمت الحزن في كامل البلاد.
محاسبة المسؤولين
وفي السياق ذاته، أكد رئيس حزب المستقبل عبدالغني المعاوي تأييده لمطالب أهالي مدينة درنة، مؤكداً أنها مطالب مشروعة في ظل الانقسام الحكومي في البلاد.
وشدد المعاوي في حديث للرائد، على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الكارثة الإنسانية التي حلت بمدينة درنة ليكونوا عبرة لغيرهم، مضيفا أنه لولا الفساد لكان بالإمكان تجنب دفع فاتورة باهظة مقدرة بآلاف الأرواح.
وشدد المعاوي على ضرورة فرض رقابة مشددة على عملية إعمار المدينة لإنجازها بسرعة وإبعادها عن الأيادي الفاسدة، وفق تعبيره.
تلبية المطالب
إلى ذلك، شدد رئيس حزب اليسار الديمقراطي بنور القاضي على ضرورة نظر الجهات المسؤولة بجدية لمطالب المتظاهرين في درنة وتلبيتها، وعلى رأسها إعادة هيكلة الإدارة المحلية للمدينة ليتولى إعمار درنة من عايشوا الكارثة.
ويرى القاضي في حديث للرائد أن من غير المقبول التهاون في الرقابة على الأموال التي ستصرف في إعادة إعمار مدينة درنة، مشدداً على أنه لولا الفساد لتجنبت البلاد دفع فاتورة باهظة من أرواح الضحايا في هذه الكارثة.
لجان تحقيق
رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك أعلن إحالته تقريرًا يضم كل الوقائع المتعلقة بتعثر تنفيذ مشروعَي صيانة سدَّي وادي درنة وأبومنصور، إلى النائب العام الصديق الصور.
وأوصى شكشك بحسب بيان له، بالتحقيق مع المسؤولين في عدم استكمال هذه المشروعات رغم توفر البيئة الملائمة والأموال اللازمة خلال الفترات من تاريخ التعاقد حتى وقوع الكارثة، مؤكدًا حصول الجهة المتعاقدة على الموافقات التعاقدية اللازمة لتنفيذ تلك المشروعات في تواريخ التعاقد سنتي 2007 و 2009، وأن الأموال اللازمة للتنفيذ قد أتيحت للشركات المنفذة، مؤكدا أن الديوان لم يفرض أي قيود رقابية تُعيق عمليات التنفيذ حتى تاريخ انهيار السدود ووقوع الكارثة.
من جهته، قرر رئيس المجلس الأعلى للقضاء مفتاح القوي تشكيل لجنة تتولى التحقيق والفحص في كارثة فيضان وادي درنة، مطالبا كافة الجهات بالتعاون مع اللجنة واحالة المستندات والوثائق ومحاضر الاستدلال إليها، على أن تتولى اللجنة إعداد تقييم شامل بالنتائج التي توصلت إليها وإحالتها بالسرعة الممكنة إلى المجلس.
ويظل السؤال الذي يراود كثيرا من المتابعين، هل سنشهد تحقيقا حقيقيا لمحاسبة المقصرين؟ وهل ستذهب أموال الإعمار إلى الإعمار وجبر الضرر أو ستكون فريسة للفساد المستشري في البلاد؟