Menu
in

مغالطات عين الخبير وعقل البصير وبصيرة الضمير

كتب الصحفي المخضرم الأستاذ محمد عمر بعيو مقالًا شخصياً على صفحته بالفيسبوك، وعنّونه بــ: (ما أخفي أعظم وما ظهر أحقر.. أسرار الجاسوس شوغالي المزعومة ومؤامرات الجزيرة المعلومة)

بدأ مقاله بمقدمة عن الأسطوانة المشروخة عن الإخوان المسلمين، وهنا لست بصدد الدفاع عنهم، فلم أعد واحد منهم، ولديهم ما يُمكّنهم للرد على روايته إن أرادوا ذلك. لا ألوم أستاذ بعيو على ذلك باعتباره خريج مدرسةٍ تعتقد بأن هؤلاء لا حق لهم في الحياة، ولا بد من إقصائهم واجتثاثهم من أي مشهدٍ سياسي أو مجتمعي أو فكري وطني.

والكاتب المخضرم (بعيو) كان على رأس صحيفةٍ مِدادُها “الأحمر القاني”، وإن سميت بــ “الزحف الأخضر”؛ يكتب فيها ما يُمليه عليه قائد تلك المدرسة، وهو يُؤمن بأنه ليس “محتاجا لحزب تحرير ولا إخوان مسلمين ولا لطريقة صوفية.. والواحد الذي يعتنق هذه الحاجات يستحق الذبح، لأن وجوده في هذا العصر ليس فيه فائدة … لابد أن يصفيه تصفية جسدية”.

وهو يؤمن بـضرورة “مداهمة أعداء الثورة وإنهائهم”، و بـ “وجوب تصفية أعداء الثورة”، وكذلك يُؤمن بأن من يُعارض البرنامج الثوري “لابد من يقطع عنقه”، ويرى بأنه يجب أن “ندوس عليهم”، وبأن خصومه هم “كلابٌ ضالةٌ”، ويرى “ضرورة قطع رؤوس هؤلاء في أمريكا أو في المريخ”، وكان يستجيب لإرشادات القائد بالقتال “على الورق إلى حين البدء بتقطيع الرؤوس”، ويصف خصمه السياسي بأنه عدو الشعب، ويجب أن “يُسحق بالفعل”، ويكون سحقاً وتصفيةً “بلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة، وكل “من يقول (لا) يًعتبر متعاوناً ومنبوذاً … ويحق لمنسق اللجان “أن يقتله بالرصاص”، وأستطيع أن أستمر في كتابة هذه المقولات العنيفة التي تتلمذ عليها وتبناها الأستاذ محمد… لا ألومه على ذلك، ولكن لومي عليه أنه ورغم كل ما مرت به بلادنا لا تزال رواسب تلك المدرسة تعشعش في قعر رأسه، ودليلنا ظاهر في مقاله حين دعا في نهايته إلى العنف الثوري من جديد.

لا أريد الدخول بمهاترات إلا أني أخذت على نفسي عهداً أن لا أترك سردية أو مقولة يُذكر فيها اسمي أو حقيقة يمكنني تبيانها، وأظل ساكتاً، وخصوصاً حين تصدر من شخص مثل الأستاذ المخضرم.

ذكر الأستاذ محمد خمسُ نقاطٍ مليئةٍ بالمغالطات والتشويش المتعمد، وهنا سأشير إلى ردي عن بعضها نظراً لانشغالي، وضيق الوقت وأهمية استثماره في هذا الشهر المبارك:

1- المادة التي قدّمها الإعلامي الرائع تامر المسحال مادةً حية، ولا يزال الساسة والدبلوماسيون يتناولونها، ولعلَّ آخرهم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى بابارا ليف التي زارت العاصمة الليبية طرابلس مؤخراً، وتحدثت عن دور جماعة فاغنر، وانتهاكهم للسيادة الليبية والحاجة إلى طردهم. والمسحال بدأ التسجيل معنا في شهر يناير 2022م، وحقق وجمع المادة إلى أن حانت اللحظة السانحة التي ضرب بها نكران الروسي مكسيم شوغالي عرض الحائط، وذلك عندما اعترف بأنه جزء من فاغنر، وظهر بصورة المليشياوي بزيه المدني، وهو يحمل سلاح كلاشنكوف، ويقر بأنه عضو في مجموعة فاغنر الروسية.

2- برنامج ما خفي أعظم من ألِفه إلى يائِه مليء بالجديد والقضايا السياسية والأمنية وخبايا الدبلوماسية والعمل الاستقصائي، ولذلك يشاهده ويترقبه الملايين من الناس حول العالم، وكتبت عنه عشرات المقالات والتحليلات، ويكفي بأنه عَرّى مؤامرةً تعرضت لها ليبيا من مجموعة فاغنر وأعوانها، والتي كانت تحاول أن تخطف و #تُزورإرادةالليبيين، وذلك من خلال وضع خطة لزيادة حظوظ أحد المرشحين المقربين للروس. فالطموح الروسي وصل حدَّ التدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016، ولهذا أمّن الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية انتخابات التجديد النصفي للانتخابات الكونغرس عبر عملية سيبرانية محكمة عام 2018، وذلك لمنعهم من التدخل، فليس غريب أن يتدخل هؤلاء في بلد مستباح مثل ليبيا لفرض إرادتهم ورغباتهم ومشروعهم فيه.

ويكفي هذا البرنامج قيمةً، بأنه فتح الأذهان ورفع مستوى الوعي لذي المواطن الليبي ليُدرك خطورة تواجد مجموعة فاغنر وانعكاسها على الكيان الوطني الليبي، وضرورة تضافر الجهود لإخراجهم، مع العلم أن مخضرم مثل كاتبنا رفض وجودهم، وأطلق على شوغالي وسم “جاسوس”، وبالتالي كل من تواصل معهم تواصل في الحقيقة مع جاسوس، وفق المصطلح الذي أطلقته عليه. والأسوأ في هذه النقطة أنك تُطالب بأن الليبيين من يجب عليهم تقديم الحقائق للشعب الليبي، ولا تدري أن كعوان والعرادي قاموا بذلك منذ أكثر من سنةٍ في كتاب من 480 صفحة.

3- لذلك، فإن السبب الرئيسي لاستضافة نزار كعوان وعبد الرزاق العرادي هو أنهما ألفا كتابًا وثائقياً، عنوانه “السياسة ولعبة الأمم في ليبيا … العدوان على طرابلس”، وهو متوفر على شبكة الانترنت، ومطبوع ورقياً لمن أراد قراءته، وقد كشف الكاتبان فيه مهمة شوغالي وخطورتها، وهما من تواصل مع الجزيرة التي وافقت على الموضوع، وذهبت به عميقًا في الاستقصاء والبحث والرصد الميداني. ولذلك تعد هذه الحلقة من ضمن أقوى خمس حلقات أبدع فيها تامر المسحال.

ولقد استغرق كعوان والعرادي في تأليف كتابهما ما يقرب من ثلاث سنوات من العمل المضني والشائك للوصول إلى هذه النتيجة، وأنت تعلم يا أستاذ محمد بأن من أبجديات العمل الصحفي؛ أنه حين يكون هناك موضوع حلقة جاء اقتراحاً من شخص ما، أن يكون ذلك الشخص من شخصيات البرنامج، خاصة وهما عين الخبير وعقل البصير في هذا المقام، وأن بصيرة الضمير والحس الوطني الذي تنادي فيه بكل مناسبة، هي التي دعتهما إلى تتبع موضوع “الجاسوس”، والكتابة عنه والبحث عن برنامج من عيار ثقيل مثل برنامج قناة الجزيرة #ماخفيأعظم، ليدق ناقوس الخطر في ليبيا مما يُحاك لها، وقد نجحا بفضل الله وتوفيقه، في تدوين كل التفاصيل في الكتاب الذي ألفناه، ولله الحمد.

4- أما النقطة المتعلقة بالسيد رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا، فهو الأقدر على الإجابة عنها، وإن كنت من القلة الذين يرون، ولأسباب سياسية بحتة أن ردوده كانت موفقة لأسباب ستتضح في قابل الأيام، وهو محق في أن هذه العملية هي عملية جراحية لم تكن الداخلية على علمٍ بها، وتمت بعيداً عنها لأسباب سيُكشف عنها في المستقبل القريب، والله أعلم.

5- أما النقطة الخامسة، وبرأيي لو أنك وزعت الإطراء الذي غمرت به سيف الإسلام القذافي على النقاط الخمسة التي ذكرتها في مقالك، لما كان هناك داعٍ لهذا التعقيب والتوضيح مني، فلقاء “الجاسوس” كما وصفته، وعضو مؤسس في جماعة فاغنر (الإجرامية) كما كشفته الجزيرة في سبقها الصحفي، بسيف كان في 2019، وليس في 2018، وكانت ثلاث لقاءات وليست لقاءً واحداً. ولو أنك كنت صادقاً في رفضك للتواجد الأجنبي، ولجماعة فاغنر (الأجنبية الإجرامية)، وأنك ترفض تواجدهم لكان لك موقف غير الإطراء الذي خللت به النقطة الخامسة. كان يكفي أن تتساءل عن هذا اللقاء، ولماذا يلتقي المرشح بشخص أنت وصفته بالجاسوس، وهو معروف بخبرته في تزوير الانتخابات، والتدخل فيها كما فعل وعصابته في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يكفي أن يكون موقفك منسجماً مع مواقفك المبدئية التي ذكرتها في المقال.

وفي الختام، فإن من أدخل الفاغنر إلى ليبيا هو خليفة حفتر، وليس سيف كما اعتقدت بأن هذا هو ما هدف إليه الفلم الوثائقي. وأن شوغالي تواصل مع سيف القذافي؛ في إطار مهمةٍ أرادوا لها أن تتم قبل المؤتمر الجامع الذي كان مزمعاً عقده في منتصف إبريل 2019م، وهذه المهمة هي عملية تجسس على المجتمع من أجل رفع حظوظ أحد المرشحين المقربين من الروس.

وأخيراً، إليك هذه الأسئلة التي لا أعتقد بأنك تستطيع الإجابة عنها:

• هل تستطيع أن تتهم خليفة حفتر وتشير بأنه هو من أدخل مجموعة جماعة فاغنر إلى ليبيا وبأنهم حاربوا إلى جانبه في جنوب طرابلس وشاركوا في قتل شبابنا!؟ أم أنك تعتقد أن الإخوان هم من أدخل فاغنر إلى ليبيا؟ أو أنها دولة قطر؟ أو تركيا؟ وربما الأقرب أن تامر المسحال هو من أدخلهم في حقيبته عندما جاء إلى طرابلس لتصوير الفلم؟!

• من هو المتهم بالتخابر مع “الجاسوس” شوغالي؟ هل هم الإخوان أو معد الفلم #ماخفيأعظم؟!

• هل تملك الشجاعة أن تتهم الجنرال حفتر بالخيانة لإدخاله فاغنر إلى ليبيا؟

• وهل تستطيع أن تتهم سيف بالعمالة لتخابره مع “الجاسوس” شوغالي؟

فقط أوجه لك هذه الأسئلة لأنك أنت من وصفت شوغالي بـ “الجاسوس” ..

أستاذ محمد قليلًا من الموضوعية والإنصاف..

كُتب بواسطة Juma Mohammed

Exit mobile version