يرى الكثير من المواطنين وحتى المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي بأن الدينار الليبي لا زال قويا وإن كان قد فقد رسمياً جزءاً من قيمته خلال السنوات الأخيرة.
ويبررون آراءهم لاعتبارات عدة أبرزها أن ليبيا تطفو على بحيرة من النفط حيث تنتج قرابة مليون وربع برميل يومياً، وتمتلك احتياطياً نفطيا يقرب من 49 مليار برميل، كما أن عدد سكانها قليل جدا قياساً بسكان دول مصر والعراق والسودان.
فالدولار الأمريكي يعادل اليوم قرابة 1460 دينار عراقي، كما يعادل قرابة 560 دينار سوداني، في حين يعادل قرابة 30 جنيها مصريا، وعليه فإن الدينار الليبي بعيد جداً عن مثل تلك السيناريوهات خاصةً أن ليبيا لم تكتو بعد بنار الديون الخارجية.
وللأمانة نظرياً ما يراه المواطنون والمختصون صحيح على الأقل في المد القصير أو المتوسط، لكن عملياً وعلى المدى الطويل الأمر يبدو مختلفا، فاحتمال أن يلقى الدينار الليبي سيناريو انهيار عملات تلك الدول يبقى احتمالا واردا؛ و ذلك في حال ما أستمرت حالة الانسداد السياسي، والتشظي والانقسام المؤسسي، والفوضى التي تعيشها البلاد منذ قرابة تسع سنوات، ناهيك عن ارتفاع وتيرة الإنفاق العام وتنامي الفساد المستفحل وسوء الإدارة واعتماد البلاد على النفط فقط كمصدر وحيد تقريباً في تمويل ميزانيتها، و في رفد حصيلتها من العملات الأجنبية دون حتى التفكير في إيجاد مصادر بديلة له وما ذكرته ليس مجرد كلام أو اجتهاد، بل من واقع تجارب لدول نفطية عدة أبرزها العراق ثاني أكبر منتج في الأوبك، فالدينار العراقي قبل غزو العراق للكويت في أغسطس من العام 1990م كان يعادل قرابة 1،60 دولار، لكن بعد سلسلة عقوبات اقتصادية ومالية صارمة وعزلة دولية لأكثر من 13 سنة أعقبها عقدان من فساد الطبقة السياسية
كانت كافية بأن تهوي بالدينار العراقي إلى قرابة 3000 دينار لكل دولار. ورغم عودة العراق لأسواق النفط العالمية وتعافي إنتاجه تدريجياً منذ منتصف العام 2003م عقب الاجتياح الأمريكي فإنه وبعد قرابة 20 سنة من رفع الحصار والعقوبات الدولية عن إنتاج وصادرات النفط العراقية، وسعي العراق للإنتاج بأقصى طاقته فإن كل ذلك لم يعد للدينار العرافي عافيته، فالدولار اليوم يعادل 1460 دينار
رغم أن العراق ينتج قرابة 4 ملايين برميل يومياً، ويدر عائدات شهرية تتراوح ما بين 7 و9 مليارات دولار. كما لا ينبغي أن نغفل إيران وفنزويلا الدولتين النفطيتين، والعضوين البارزين في الأوبك اللتين أنهارت عملتهما؛ بسبب العقوبات الأمريكية التي أدت ألى تقليص صادراتهما النفطية؛ بسبب انسحاب الشركات الأجنبية، وإحجام شركات أخرى عن الاستثمار فيهما، فالدولار الأمريكي يقترب اليوم من 580000 ريال إيراني بعد أن كان يعادل 100 ريال فقط عند اندلاع الثورة الإسلامية في فبراير من عام 1979 م في حين يعادل الدولار قرابة 2430130 بوليفار فنزويلي رغم أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم.
و في الختام إذا كانت عقود من العقوبات الدولية والفساد سبب رئيس في انهيار الدينار العراقي وعملات دول أخرى فإن الانقسام والتشظي السياسي والمؤسسي الذي يغيم على المشهد الليبي قرابة عقد من الزمن لا يقل ضراوةً عن ذلك، ومن شأنه أن يقود الدينار إلى حافة الانهيار Edge Of Total Collapse ما لم تتدارك الطبقة السياسية الموقف بسرعة عبر إقرار حل سياسي شامل يرسي الأستقرار في كافة ربوع البلد، ويوحد مؤسساته بحيث يكون ركيزة لأي إصلاح اقتصادي حقيقي شامل.
أدرك أن الكثير من المتابعين قد يتفاجأ مما كتبته، لكن يبقى حقيقة يجب علينا الإقرار بها والحذر منها قبل فوات الأوان.